12/08/2014

الويب المغربي بين الماضي و الحاضر





قبل الخوض في موضوع الويب المغربي بكافة تجلياته و فروعه وجب أولا الحديث عن السياق التاريخي لنشأة ما يمكن تسميته بالمجتمع الرقمي المغربي.

توطئة:

بشكل بسيط و دون الخوض في التفاصيل, يمكننا القول ها هنا أن هاته النشأة عرفت ثلاث مراحل فاصلة في تطوره ؛ مرحلة ما قبل الفايس بوك ,مرحلة ما قبل العشرين فبراير, ثم مرحلة ما بعد العشرين منه .

ما قبل الفيسبوك :

حين اكتشف المغاربة الشبكة العنكبوتية في مطلع القرن الواحد و العشرين, أي قبل أكثر من أربعة عشر سنة و نيف, نتحدث هاهنا عن العامة من الشباب المغربي آنذاك من المتصلين بالشبكة العنكبوتية و لو بشكل غير دوري, بحيث هناك من كان سباقا لخوض غمار هاته التجربة قبل هاته المدة الزمنية ، كانت البداية متعثرة نظرا لضعف وسائل الربط اللوجيستي مما كان يحد من  ولوجية أغلب المتصلين, بحيث اكتفوا بولوج غرف الدردشة و المواقع المتاحة آنذاك و التي كانت بالنسبة إليهم عينا على العالم الآخر الذي كانوا يعرفونه عبر التلفاز .
مع مرور الوقت اكتشف المغاربة كغيرهم أفاقا جديدة في عالم الإنترنت ,تجلت حينها في إقتحاهم لعالم المنتديات من جهة و من جهة أخرى تعاطيهم للتدوين بعد توفر مسطبات مجانية تتيح لهم ذلك باللغتين العربية و الفرنسية ، هذا التوجه كان هو النواة الأولى لتشكل المجتمع الرقمي المغربي، ظهر إثره مجموعة من المدونين النشطين و اللذين بدأوا بدورهم في سبر أغوار هذا العالم اللامنتهي, فتوطدت العلاقات فيما بينهم عن بعد تارة و عن قرب تارة أخرى ، دون نسيان الفئة التي خاضت تجربة المنتديات و التي شقت طريقها في التدوين التقني الخاص بالشبكة العنكبوتية .
استمرت بعدها هاته الظاهرة بالتوسع حتى وصلت إلى مرحلة النضج, فتمخضت عنها إفرازات على أرض الواقع خصوصا حين بدأ الصدام بين العالم الرقمي و العالم الحقيقي بفضل مساحة حرية التعبير المتاحة و أيضا السرعة في التواصل و مشاركة المعلومة، هذا الصراع لم يكن حينها بالحدة التي نشهدها اليوم, لكن كانت تلك بداية مرحلة جديدة في حياة المجتمع الرقمي المغربي.

ما قبل العشرين فبراير :

مع مرور الوقت خرج من رحم الشبكة العنكبوتية مولود جديد سيؤرخ لمرحلة أخرى أكثر تطورا و تعقيدا بفضل التفاعلية التي أتاحها ألا و هو مسطبة الفيس بوك و التي قدمت نفسها كشبكة اجتماعية ثورية  في عالم الإنترنت.
كالعادة انطلق المغاربة  لاكتشاف كل ما هو جديد و فريد في هذا العالم فأخذوا في الانضمام و إنشاء حسابات على الفيس بوك إقتصرت في البدء على ربط علاقات تواصل ثابتة مع الدائرة الأولى المكونة من الأصدقاء و العائلة و التي كانت تتيح آنذاك قدرا من المشاركة و التفاعلية محدودا مقارنة مع ما هو متوفر في زمننا اليوم .
فبدأت بشكل تلقائي و سلس هجرة من المدونات و المنتديات نحو هذا الوافد الجديد و الذي في غضون سنين قليلة تمكن من إحتواء كافة مكونات الويب المغربي مؤسسا لظهور المجتمع الرقمي المغربي أو ما يسمى الويبوما .
الويبوما و التي ظهر فيها تيار إحترافي إتخد علم الشبكة العنكبوتية مجالا للعمل و التطوير و ساهم بشكل أو بآخر في إضفاء صبغة هوياتية على هاته المنظومة الجديدة ؛ إستمر كل هذا الزخم في التواصل و التشاركية حتى الوصل إلى اللحظة الفاصلة و التي قلبت الويب المغربي رأسا على عقب ألا و هي عشرين فبراير تاريخ تبلور فكرة إمكانية تنزيل الثورة الرقمية إلي أرض الواقع.


ما بعد العشرين فبراير :

حركة عشرين فبراير و التي يمكن اعتبارها امتدادا للربيع العربي في المغرب، و التي بدورها اتخذت من الشبكات الاجتماعية و خصوصا الفيسبوك منطلقا لنزولها للشارع, بعدما نجحت الحركات الشبابية في الحشد الجماهيري بين صفوفها في كل من تونس و مصر و تنزيل هاته الحشود إلى الساحات و الميادين
، مستفيدة من التطور التكنولوجي في أجهزة الربط و تحسن صبيب الشبكات, الأمر الذي ساهم في سرعة انتشار الدعوة بين كل المتصلين بالشبكة؛ كان هذا النزول إلى الشارع بمثابة أول تمظهر للعمل الرقمي المسيس لرواد النت المغربي بكافة طوائفه المنتمية و اللامنتمية ، فكان النزول و الاحتجاج ثم المطالبة بالتغيير نتاجا لعدة عوامل, أهمها ذوبان الحدود الجغرافية بين الشعوب التي تتقاسم نفس الهموم و بالتالي محاولة منها لتحصيل نفس التبعات ، غير أن النموذج المغربي كانت له خصوصية بحيث حدث اندماج مصلحي بين مكونات المجتمع الرقمي المغربي و بين أقطاب المجتمع السياسي الذي يعمل على أرض الواقع, مما أدى إلي ظهور توجه آخر هجين تمثل في سطوة القطب المسيس على الشبكة و القيام بهجرة مضادة من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي عبر الشبكات الاجتماعية.
لسنا هنا بصدد الحديث عن حركة عشرين فبراير في بعدها السياسي حتى نتحاشى الحكم على التجربة بالفشل أو النجاح, بل سنكتفي بالقول أنها توقفت عن العمل الميداني، فكانت هنا الهجرة العكسية أو بالأصح العودة إلى العالم الرقمي لاستكمال المسير.
بعد هاته العودة التي سنشبهها بالمخاض العسير الذي نتجت عنه إعادة تشكيل للخريطة الرقمية المغربية ، فكان لزاما استمرار الصراع حتى لو كان افتراضيا ، صراع تعددت أطرافه بين حلفاء الأمس تارة و بين العدو المفترض المخزن الذي صنع لنفسه ذراعا إلكترونية لتستمر المعركة.
صفحات عديدة للشباب الملكي حسابات بالجملة تكفلت بالهجوم و الدفاع بإسم النظام ضد من أضفوا على حساباتهم صبغة نضالية فبرارية سواءا بطعم يساري أو بطعم إسلامي.

صناعة الرموز :

ليس بغريب على مجتمعاتنا عشقها الأزلي للرموز، للبطل المغوار القائد الملهم، هذا العشق الذي لم يستثن كلا الطرفين، فبدأت بعض الحسابات بالصعود نحو الشهرة الرقمية متبنية طرحها الإيديولوجي الأم .

.1 المناضل العدمي : غالبا ما يكون قد بدأ مسيرته النضالية بين ظهراني حركة عشرين فبراير, ثم إنسلخ عن نهجها بسبب الإحباط أو ربما لأسباب أخرى ، من سماته كتابات باللغة الدارجة ، كسر للطابوهات الهجوم على كل ما هو نمطي و منمق بإعتباره لا يعكس الواقع الحقيقي لأبناء الشعب ، على أي هذا الرمز لاقى نجاحا بين صفوف الشباب بسبب سهولة التواصل بين البطل الرمز و مريديه الذين يحذون حذوه على الشبكات الإجتماعية.

.2المناضل الرقمي المتحزب : بغض النظر عن إنتماءه و توجهه الإيديولوجي فهو إمتداد لكيانه الأصلي,  و وجوده على الشبكات الإجتماعية هو إستمرار لخدمة الأجندة التي ينتمي إليها و يؤمن بها عبر كتاباته و تفاعله ، هذا الرمز الذي يجر وراءه قافلة من إخوانه أو رفاقه و أحيانا بعضا من المتعاطفين ,هدفه الدفاع عن الإطار الأصلي و ضمان موطأ قدم له على الشبكات الإجتماعية.

3 .المناضل الغيور على وطنه : هو نفسه يجهل ماهية الوطن ,فعادة ما يربطه بالإستقرار الأمن و الأمان ، سياسيا متذبذب لكنه ينحاز للتيار المخزني, شعاره لأجل التغيير فلتبدأ بتغيير نفسك ، منشوراته و تفاعلاته عادة ما تتسم بنوع من الإيجابية ، يقوم أيضا بقيادة مبادرات ذاتية لكسر الروتيتن و لأجل البروباڭندا ،بعضهم أصبح وجها مألوفا للتسويق الإلكتروني و إتخذ من الشبكات الإجتماعية ميدانا لعمله اليومي.

.4الناشط الرقمي : هو ككيان مهتم بالجانب التقني يتحاشى عادة الخوض في الجدالات ، يتبع  ما جد و إستجد في عالم الويب الذي يشكل معظم ما ينشره ، نشط على مستوى الأحداث المتعلقة بعالم التقنية و الأنشطة المرتبطة بعالم الإنترنت.

.5المناضل الثوري : ترك حلقية النقاش في الجامعة و قام بنصبها على الإنترنت، كائن مستَفز بطبعه يمارس حقه في التعبير بشكل متسلط شعاره إن لم تكن معي فأنت ضدي ، أغلب إنتاجاته نقدية, يفتقر إلي رؤية تهم الحلول بسبب طبعه المتشائم غالبا ، هذا النموذج صنع لنفسه موطأ قدم بسبب الأوضاع الإجتماعية التي تساير خطابه التشاؤمي.

6.الداعية العصري : هو نموذج قد نعتبره إمتدادا للموجة التي قادها عمرو خالد على الفضائيات قبل سنوات ، يعتمد في منشوراته و تفاعلاته جلها على دغدغة الحس الديني لدى متابعيه, بحيث يضفي على نفسه طابع الحداثة تارة دون أن يحيد عن الخط الدعوي الذي يتبناه حسب طريقته, مما مكنه من إكتساب شهرة رقمية واسعة إكتسح بها أغلب الرموز التي تقاسمه التواجد على الشبكات الإجتماعية .

الإستقطاب :

في الجانب الآخر كانت أعين المواقع الإلكترونية خصوصا الإخبارية تترصد الحركية الرقمية المغربية و بعد أن تأكد لها قوة الشبكات الإجتماعية في الإخبار و الإنتشار السريع, قررت بدورها الإستفادة من هاته الموجة و القيام بإستقطاب شامل لرموز الويب المغربي ، فأصبح العديد من رواد الشبكة النشيطين كتاب أعمدة كل حسب توجهه بل و منهم من أصبح صحفي إلكتروني ، على أي فهذه الحركية لم تكن سوى تحصيل حاصل و ضرورة حتمية لكل هذا الزخم الرقمي الذي أصبح رهينا بقانون العرض و الطلب.
حتى الإذاعات الخاصة و الجرائد الورقية أصبحت تنافس المواقع الإلكترونية في الإستفادة من شعبية رموز النت المغربي و هو ما سيؤرخ لمرحلة جديدة من الصراع الإيديولوجي  وقوده رواد النت المغربي.

المعارك الرقمية:

لكي تستمر الحركية الرقمية خصوصا بعد موجة الإستقطاب الكثيفة التي عرفتها الويبوما ، كان حتميا الدخول من جديد في صراعات و معارك رقمية بين مختلف الأقطاب التي تحاول التحكم في واجهة و توجه الويب المغربي ، و كذلك لأجل خدمة الرؤية التي تتبناها ، فأصبحنا نرى كمثال على ما قيل ، مقالات على مواقع إلكترونية بعضها إمتداد لجرائد ورقية  تقوم بالسخرية او إنتقاد فلان بإسمه ( أحد رموز الويب المغربي ) ، أحيانا أخرى  فيديوهات تبث على مواقع تحمل عناوين ك الرد على فلان ، ناهيك عن الإشتباكات اليومية على جدران الفيس بوك ، و هذا كله ليس سوى إستمرارية  لما كان من قبلك لكن هاته المرة بصيغة موجهة و مبرمجة.
بعض المواقع إستخدمت كذلك الرموز التي إحتضنتها مثلا من إشتهروا بالتدوين الدارج الكاسر للطابوهات المجتمعية خصوصا اللاهوتية ، فخصصت لهم مساحة للنشر بين طياتها لأنها هي في الأصل تبنت هذا المنهاج لوجودها و إستمراريتها  ، فكان ناجعا تسخير هؤلاء للترويج لها و لأنفسهم أيضا .
دون إغفال موقع اليوتوب بإعتباره إمتدادا للمسطبة الزرقاء الذي أصبح يضم قنوات خاصة بأصحابها يقومون فيها بالترويج لأفكارهم عبر إستعمال الجدال و المحاججة أو عبر التهجم المباشر أو غير المباشر على الغريم التقليدي ، هذه الفيديوهات نفسها تجد طريقها إلى المواقع الإلكترونية الشهيرة مما يساهم في خلق الفرقعات الإلكترونية بين الحين و الآخر .
حتى نقوم بتبسيط الصورة فالصراع الذي شهدناه سابقا بين الدولة المثمتلة فيما يسمي بالمخزن و من يعارضها على أرض الواقع إنتقل من جديد ليتمظهر مرة أخرى بين خيوط الشبكة العنكبوتية ليستمر مسلسل الشد و الجذب بين الطرفين و بين من نصبوا أنفسهم ناطقين بإسمهما.
حتى لا نختزل المجتمع الرقمي المغربي فيما سبق ذكره فهو أكبر بكثير مما ذكر فقط تبقى هاته لمحة لجانب من جوانب هذا العالم الفسيح .
إنتهى.

هناك 8 تعليقات:

  1. كم انت كم انت يا عقيدي !

    ردحذف
  2. تحليل شمولي جميل،،مزيدا من التألق ،،في انتظار ابداعاتك

    ردحذف
  3. و أنا كانقرى التصنيفات گلت مع راسي فعلا العقيد خارج كلّ تصنيف،

    خاصك تزيد خانة:

    العقيد: صنف فريد يضمّ عضو واحد و وحيد يعتبر غرابة (بالمعني الإنجليزي singularity) الويب المغربي

    ردحذف
    الردود
    1. هذا فقط من لطفك خاي المهدي الله يحفظك

      حذف

Comments System

Disqus Shortname