5/07/2012

ألف حلم و حلم



عالم الأحلام عالم جميل ليس فيه مستحيل ، هناك من أحلامه وردية و هناك من تسكنه كوابيس أزلية...

كان يوما عاديا في حياة صديقنا إلى حد ما ، إستيقظ كعادته لم يكن يفكر كثيرا فما عليه فعله محسوب ووقته أيضا ضيق ،  آخر شيئ يفعله يحزم حذاء ه يتحسس جيوبه ليتأكد أنه لم ينس شيئا ، إنطلق بعدها في طريقه ؛ في ذلك اليوم لم تكن بحوزة صديقنا أية إشارة تحيل على الزمن لا ساعة و لا هاتف نقال لم يكثرت كثيرا فالروتين اليومي علمه تلمس وقته بخطواته بأناس إعتاد لقائهم كل صباح و في نفس التوقيت ؛ مضى في طريقه و هو يعرف أنه سيصل في الوقت لا محالة ، إلتفت يمينا و شمالا فوجد ضالته معالم زمنه حاضرة  ، وصل بعدها إلى مبتغاه و بدأ في الإنتظار...

جلس في مكانه شيئ ما ينقصه ، رأسه يثتاقل عليه تملكه إحساس شديد بالنعاس و هو الذي كان دوما يتباهى بأنه آخر من ينام و أول من يستيقظ ، فنومه عادة قليل لا يتعدى الأربع ساعات في أحسن الحالات؛ كانت تكفيه أن يحيى يومه بشكل عادي ، لكه هذه المرة بدأ يغلبه النعاس وسلطان النوم تحكم فيه ، بدأ صديقنا في المقاومة لكنه فشل فغفا غفوته الأولى:

يجلس بجوار القذافي محاصرين في مصراتة رفقة زمرة من الحرس الخاص متأهبين
فجأة بدأ صوت الرصاص يصدح من كل حدب و صوب الكل سقطوا أمامه كان هو الناجي الوحيد فأطلق ساقيه للريح ؛ إستفاق بعدها إكتشف أنه نام في مكانه جالسا فتح عينيه بصعوبة ، نظرات مصوبة نحوه ، أصوات تخترق أذنيه ، إستعاد وعيه لدقائق حاول مسايرة الدرس لكن النعاس لا يتركه و حاله قاوم ثم قاوم فغفى مرة أخرى : إنه يغوص في البحر له زعانف سمكة و غلاصم أيضا يتموج في رشاقة متناهية الماء منعش الأسماك حوله من كل صنف و لون يحيونه بإبتسامة  يرد عليهم الإبتسامة ، أحس بتيار قوي يحركه من مكانه و يغير مسار سباحته السلسة شيئا ما يقترب منه إلتفت نحوه إنه سمك قرش أزرق كبير فاتح فكه المفترس لم يمهله فحشر رأس صديقنا تحت أنيابه  مستعدا لقضمه...

إستفاق مفزوعا على وقع أقدام تقترب منه حاول تمالك نفسه كأنه لم ينم و أنه ظل طوال الوقت متتبعا لأحداث الدرس ، حاول أن يجيب على سؤال فكان جوابه كمن يغرد خارج السرب...

حمد الله كثيرا لأنه إستفاق هذه المرة من هذا الكابوس قبل أن يصبح في لقمة في بطن القرش ، حاول تناسي نعاسه و تجاهله فعدل جلسته مرات و مرات أدار رأسه يمينا و شمالا فلم يستقم على وضع ، ظل يتحاشى نظرات زملائه حتى أنه بعدما طالت لم يعد يأبه لها ، ظل على هذا الحال دقائق مرت عليه طويلة فغفا مرة أخرى :

يقف على جدع شجرة وارفة الظلال محدقا في السماء الزرقاء الصافية ، بسط يديه فإذا بهما جناحان حركهما إنه يطير ، إنطلف في الأفق بسرعة إسترعت إنتباهه حمامة جميلة خفق قلبه من بعيد إتجه نحوها ، بدأ في الإقتراب منها و هي لمحته فتبسمت ، أحس بشيئ يلكزه إستفاق على صوت زميله ينذره بقدوم المدرسة نحوه ، حزن صديقنا فهذا حلم جميل ليس كسابقيه لم يرد أن يستفيق  منه ، مازال النعاس يسري منه مسرى الدم ، عيناه تغمضان هذه المرة لم يقاوم عله يكمل منامه السابق أغمض عينيه و بحث عن الحمامة التي خطفت قلبه وجدها فأكمل حلمه فرحا إقترب منها فلما دنى منها إستدارت نحوه فضحكت له ضحكة  خفق معها قلبه خوفا حين تحولت فجأة إلى صقر جارح أمسك به من جناحيه فطوقه ثم طار به عاليا ...

إستيقظ صديقنا مفزوعا هذه المرة فقرر أن لا يكمل هذا الحلم اللعين ، ظل جالسا  فهو لم ينهض من مكانه هز رأسه نحو ساعة الحائط إنها العاشرة صباحا النهار مازال في بدايته و ما زال النوم يعتصر جفنيه ، هل هو سهر السنين يهاجمه اليوم ، ضم يديه إلى صدره ثم إستوى في جلسته طأطأ رأسه و إستسلم للنوم للمرة الرابعة السابعة العاشرة...

يمشي في شارع واسع خالي من المارة لا ضوضاء و لا ضجيج في طريقه لمح محلا للحلوى إتجه نحوه ، حلوى أسالت لعابه المحل مقفول تقدم و تقدم فدخل عبر الحائط بأريحية مر عبره فلا حواجز بعد اليوم ، تناول ما إستطاع فلما إنتهى خرج من حيث دخل أول مرة إستمر في مشيه فسمع صراخا هذه المرة قادما من بعيد إستمر في المشي السوت يعلو أخذه الفضول مر عبر الحائط إنه سجن مظلم أصوات التعذيب هنا و هناك  حاول الهروب إتجه نحو الحائط مهرولا فإصطدم به و سقط مغشيا عليه ...

نهض من غفوته التي طالت هذه المرة وجد زميلا له يرمقه و يبتسم ، تبسم هو الآخر في وجهه على مضض مقاوما سحر النوم ، أشار عليه ليغسل وجهه أجابه بالنفي فهو أحب هذه الحالة فعادة لا يحلم و يرى في منامه سوى السواد فاليوم فرصة لا تعوض أحلام بالجملة فلما يغسل وجهه ، خرجت الأستاذة فانت بالنسبة إليه فرصة سانحة وضع رأسه على الطاولة و كأن رأسه أصبح يزن طنا ، أحس براحة مقارنة مع المرات السابقة حين كان يضطر لأن ينام جالسا ، صوت موسيقى في أذنيه لقد أصبح كرة كبيرة بعينين حمراء اللون يتدحرج يرى الدنيا تارة من فوق و تارة أخرى من الأسفل لا يبدل مجهودا كبيرا كبيرا فهو يسير في منحدر فجأة إستوقفه شيئ ما و ثبته أرضا ، إستدار نحو أصدقائه و نادى عليهم ليلعبوا فلقد وجد كرة حمراء ، فبدأوا يتقاذفونه في السماء و الأرض لم يعد ذلك الإحساس كسابقه فهم يضربونه و هو الكرة في كل إتجاه و بكل ما أوتوا من قوة ضربات موجعة لا يقدر على صدها ...

صوت إقفال الباب كان سببا في إستيقاظه من جديد عادت المدرسة ، أحس بألم في رأسه للحظة ظن أنه فعلا كان كرة ، إستدار نحو الساعة إنه منتصف اليوم لقد حان وقت الغذاء ، إنطلق يعد الخطى إلي المطعم و رأسه مليئ بكم الأحلام التي مرت عليه هذا الصباح ، تناول غذائه في ثثاؤب و حينها أقفل عائدا لينعم ببضع دقائق من النوم عله يستفيق من الحالة التي لازمته اليوم بطوله ، دخل إلى القاعة نام على الكرسي بعد أن أسند ظهره إلى الحائط...

عاد إلى مكانه في قاعة الدرس تملكه سلطان النوم من جديد قررأن لا ينام فجل ما رآه من أحلام في الصباح كانت كلها كوابيس زادت طين صباحه بلة ، تبث عينيه في السبورة ضبط  تردد أذنيه على صوت مدرسته ، ان كمن يقاوم عدوا كاسحا  و فجأة بدأ الصوت في الخفوت و الصورة تتلاشى ، لا الكوابيس الكوابيس...

يسقط من الفوق سابحا في الفضاء يصرخ حتى وجد نفسه على شاطئ ذهبي شاسع يضع نظارات شمسية محتسيا عصير أناناس طازج يفترش الأرض الدافئة يا سلام ...

يستيقظ حزينا حتى إبتدأت أحلامه في الإنفراج،لكن صوت زملائه كان أقوى من صوت الأمواج فإخترقوا عليه خلوته البحرية و سحبوه نحو عالمهم من جديد .

إنها الرابعة زوالا ما زالت أمامه ساعتين قبل إنتهاء الدوام ، الوقت يمضي بطيئا أجال عينيه بين زملائه جلهم يبتسمون في وجهه خاطبه أحدهم صباح الخير في خبث ، أجابهصباح النور، لا وجود للمدرسة التي كانت قد خرجت حينها لم يفكر صاحبنا كثيرا أسند رأسه إلى الحائط ليريح ظهره فلم تمض سوى ثواني معدودات : صديقنا يلبس سترة سوداء جلدية يحمل بيده خوذة بعلامة الصقر يلبس سوروال جينز أزرق مع حذاء عالي يمشي متقدما نحو دراجته النارية الكبيرة ألمانية الصنع إمتطاها  ثم داس على زر تشغيل المحرك إنطلق يدك الطريق على أنغام موسيقى القيثارة فجأة ينفتح جناحان للدراجة يطير صاحبنا فرحا بين الغيوم مدة من الوقت ...

مرة أخرى يحس بشخص ما يلكزه لم يكن سوى زميله في الصف منذرا إياه بعودة المدرسة من جديد ، ندب صديقنا حظه التعيس ، حاول جاهدا الدخول في جو القسم لكن عبثا مازالت عيناه مجهدتان و عقله متعلق بآخر أحلام هذا النهار ، لملم ما يوجد أمامه من أوراق حشرها في حقيبة ظهره التي لا تفارقه ، حملق فيها قليلا  ثم ضمها إليه وضع رأسه عليها أحس براحة ما بعدها راحة إنسابر معها أطرافه و غفى من جديد : أصوات و زغاريد هنا و هناك أضواء و موسيقى وجد نفسه يلبس بذلة سوداء بدون ربطة عنق دلف إلى القاعة نظرات الحضور تتصوب نحوه تتعالى التصفيقات  تقدمت نحوه بفستانها الابيض تمشي بخطى ثابتة أمسك يديها أحس بدفئهما ثم أراد أن يزيل الوشاح عن وجهها حتى يتعرف عليها ،أمسك به و ها هو ذا يهم بإماطته ، فجأة يستفيق على صوت ضوضاء و جلبة أحدثها زملائه لقد حان وقت الرحيل السادسة مساء ا إستشاط غضبا لو صبروا قليلا حتى يرى وجهها آخ آخ ، حمل حقيبته و غادر القاعة.

يوم غريب لم يمر بمثله صاحبنا ألف حلم عوض بها سنينا مرت عليه بدون أحلام و التي طالما إشتكى من ندرتها و عقم منامه ، لكن غصة بقيت في حلقه ، حلمه الأخير حلم بألف حلم تمنى لو إستمر قليلا ليتعرف عليها ، ضحك في نفسه ثم قال ما زال الحلم مستمرا لكن هذه المرة لن يمنعني عنك أحد ...

هناك 8 تعليقات:

  1. اسلوب شيق كما اعتدنا عليه
    الاحلام متنفس للعقل و الروح تعكس ما يشغل بالنا و تكشف عن مخاوفنا و تحقق لناامنيات لم نستطع تحقيقها في الواقع
    اعجبني تسلسل الاحلام في القصة فقد بدا لي تسلسلها منطقيا (ساتقمص شخصية محللة نفسية^_^) حيث بدأ بحلم احداثه من الواقع.. وحلما بعد حلم بدأت مساحة الواقع و العالم الخارجي تتضائل و في المقابل كبرت مساحة العالم الداخلي للبطل (الامنيات الرغبات التخوفات)
    اظن ان آخر ما شاهده البطل قبل النوم هو نشرة الاخبار لذلك بدأ بالقذافي ههه
    اما باقي الاحلام فهي تعكس على التوالي :
    الخوف من تقلبات الحياة
    الخوف من العلاقات المزيفة و المظاهر الخادعة (الحمامة # الصقر)
    الحاجة الى الحرية و الخوف من عواقبها (المرور عبر الحائط قد يؤي الى سجن مظلم)
    اضطراب و حيرة (الكرة)
    حلم السقوط من الفضاء ثم عصير الاناناس .. هذا نتيجة وجبة الغذاء اظن انها كانت تحتوي على الثوم مما يخفظ ضغط الدم و يعطي الاحساس بالسقوط و من جهة اخرى اظن ان وجبة الغذاء قد اثارت عطش البطل مما استدعى تحقيق الحاجة الى العصير ههههه
    تاتي بعد ذلك الدراجة النارية التي طالما تمنى البطل شرائها في الواقع.. اليوم اعطاه الحلم فرصة للتجول بها و التحليق بها عاليا (ما اروعك ايها الحلم لم تبخل عليه باجود الماركات.. ههه)
    اما الحلم الاخير فهو الحلم الذي تميل اليه كل النفوس لاستكمال النصف الآخر ومن الافضل للبطل ان يكمل هذا الحلم و هو مستيقظ D:
    ============
    اشكرك على هذه الجولة الممتعة في عالم الاحلام
    تحياتي لك (:

    ردحذف
    الردود
    1. صراحة لم تتركي لي شيئا لاقوله ، شكرا على المرور و الإضافة المميزة فعلا لقد نجحت في أن تكوني محللة نفسية بارعة

      حذف
  2. ليت بئر الاحلام ذاك يسقيني
    استمتعت حقا هنا فقد ذكرتني بتدونة كتبتها عن احلام عجيبة
    http://www.ihibo.net/2011/03/1_17.html
    http://www.ihibo.net/2011/03/2.html

    ردحذف
    الردود
    1. عليك بوجبة ذهنيه كاملة الدسم ث'م نم مباشرة فمرحبا بالاحلام شكرا على مرورك

      حذف
    2. كان عليك يا هيبو أن تستفرد بالكتيب و هو نائم للقضاء عليه ...
      ضاعت عليك الفرصة ... ههههه

      حذف
    3. لن يستطيع أبدا أبدا شكرا على مرورك يا أطلسية

      حذف
  3. مقال رائع...سافرت وأنا أقرئه...الله عليك يا عقيد

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا على مرورك يسرا ارجو ان تكوني قد استمتعي

      حذف

Comments System

Disqus Shortname