كان جحا يجلس في مقهى السوق كعادته رابطا حماره في إنتظار بعض السياح أو المواطنين ليأخذوا معه بعض
الصور مقابل دراهم معدودات و أيضا مقابل مشروب مجاني من صاحب المقهى ؛ فأخذ يضرب أخماسا في أسداس و يتذكر أيامه في بغداد و كيف كانت له هيبة رغم وجود جحا البغدادي ، وكيف أن الزمان صار غير الزمان و كأنه سافر عبره ، و في خضم هيامه بين ذكرياته ، قطع سفره هذا صوت قادم من قريب يقول :
ـ هل أنت جحا يا جحا ؟
أجابه جحا بعدما تجهمت قسماته :
ـ أنا حماره على ما يبدو ، ما خطبك يا هذا ؟
أجابه الغريب قائلا :
ـ أعرفك بنفسي أولا أنا أدعى عبد الرحمن من قيادات المعارضة النقابية هنا في السوق .
سكت جحا برهة و قال :
ـ تشرفت بمعرفتك يا سيد لكن لم أفهم شيئا مما تقول .
أجابه عبد الرحمن :
ـ لا تقلق ستفهم كل شيء في الوقت المناسب ، هل تريد الإنضمام إلى نقابتنا العتيدة ، فما سمعناه عنك في
الإنتخابات الماضية يدل على أن لك شعبية و نحن بحاجة إلى أمثالك للدفاع عن الطبقات المسحوقة .أمسك جحا بعمامته بعد أن لم يفهم شيئا مما سمع ثم نادى على حماره الذي كان يسترق السمع قائلا :
ـ تعالى إقترب هاهنا يا كبير الأذنين .
إقترب حمار جحا و قال له :
ـ تفضل يا سيدي و تاج راسي يا أبا الجحاجيح ، و أرجوك لا تسلط علي لعنة أجدادك ككل مرة لأنها غالبا تصيبنا نحن الإثنين .
أجابه جحا :
ـ هل فهمت شيئا يا كبير الأذنين ، مما قال هذا الغريب ، إذا فهمت فإشرح لي .
سكت حمار جحا برهة و قال له :
ـ إنها فرصتك لتنتقم من الإنتخابات التي فشلت فيها و تصبح لك سلطة على شهبندر التجار و فرصة أيضا لتدافع عن التجار ، في الواقع إنها ظاهرة صحية و فرصة لتكتسب مهارات جديدة يا أبا الجحاجيح ، بدل إلتقاط الصور مع الفرنجة .
أجابه جحا :
ـ كيف عرفت كل هذا يا كبير الأذنين يا حمار عصره و آوانه ، و أنت حمار أخرق .
ضحك حمار جحا و قال :
ـ إنها الإنترنت و الآيباد العفريتي يا جحا .
أجابه جحا :
ـ خسئت و بئست أنت و عفاريتك و العلمانية كلها .
إلتفت جحا صوب السيد عبد الرحمن و قال له :
ـ ما دام حماري يقول إن الأمر فيه خير ، فأنا معكم قلبا و قالبا ، لكن لدي سؤال .
أجابه عبد الرحمن :
ـ تفضل يا سيد جحا .
رد عليه جحا قائلا :
ـ هل تقدمون طعاما مجانيا في هذا العمال النقابي ؟
ضحك عبد الرحمن و قال :
ـ ستأكل أنت و حمارك حتى يظهر والداك يا جحا .
إنطلق جحا وحماره و السيد عبد الرحمن و في طريقهما أخذ يشرح لهما أهمية العمل النقابي في خلق التوازن في الحياة العامة ، بشعار لا ضرر و لا ضرار ، و كيف أن النقابة بصفة عامة ليس بالضرورة أن تكون ضد النظام بل الأولى لها أن تكون صوت الجماهير ، و تكون المخاطب بإسمها ، و العمل النقابي هو إختيار و ليس إجبار ، و كل يؤجر على نيته.
و بينما السيد عبد الرحمن منهمك في الشرح كان جحا يقاطعه قائلا :
ـ ما نوع الأطعمة التي تقدمونها ، هل لديكم شعير و حنطة ، لحماري هذا كبير الأذنين ، إنه لا يشبع تبا له و عليه لعنة أجدادي .
كان عبد الرحمن يضحك كلما سمع هاته الأسئلة ، و يطمئن جحا بأنه في المغرب لا أحد يبيت بدون عشاء .
فلما وصلا و دخلا إلى مقر النقابة و جد جحا جماهيرا جمة في إنتظاره ، فلما لمحوه بدأؤوا في الصياح :
ـ بتحبو مين جحا ، و حبيبكم مين جحا !!
قفز جحا من مكانه و إمتطى ظهر حماره قائلا :
ـ أهرب يا كبير الأذنين ، إنها نفس تعويذة الإنتخابات ، أهرب عليك اللعنة .
هرب الإثنان و حمار جحا يقول :
ـ ضاعت الحنطة يا ويلتي هههه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق