4/28/2012

قصة الغريب




يوم جديد في حينا حركة دؤوبة مع ساعات الصباح الأولى هناك من توجه لعمله و هناك من فتح محله ليبدأ مزاولة نشاطه المعتاد ، بقال الحي الشهير الذي لا يغادر محله إلا أياما معدودات قبل عيد الأضحى هذا ما عرفنا عنه إسمه الحسين يستعد بوضع الخبز على طاولته يرش وريقات النعناع بالماء ليبقى نديا ، الحسين أمضى جل عمره بحينا مذ أن قدم إليه يافعا طفلا حتى أصبح أحد أشهر سكان حينا.
صباح الخير عمي حسين ، صباح الخير ، أعطيني نصف لتر من الحليب و خبزتان ، تفضل يا بني و نهارك سعيد أيضا.

عبد العالي صاحب مقهى الحي مهاجر عائد بعد أن قضى سنوات غربته متنقلا بين بلدان أوروبا يعمل و يكد حتى عاد إلى عشه و هو الطائر المحلق ، إسثتمر مدخراته في مقهاه الذي سماه مقهى حادة تيمنا بإسم والدته ، و كعادته كل صباح يبدأ في رص الكراسي و نظم الطاولات على أنغام الموسيقى المغربية الاصيلة ، حييته بدوره متمنيا له صباحا سعيدا ، إبتسم في و جهي مشيرا بعلامة النصر ، أكملت طريقي نحو منزلنا حاملا في يدي ما أوصتني والدتي بإحضاره ، حلاق السعادة إسم على مسمى سعيد حلاق الحي لم تسلم أي جمجمة من هفواته ، فهو دائما نشيط يستيقظ باكرا ليعتني بمحله الذي يحاول نثر السعادة فيه عبر الإعتناء به و تنظيفه شبرا شبرا من بقايا غابات رؤوس إعتاد حصدها لكسب قوت يومه ، صباح الخير عمي سعيد ، صباح الةير يا بني لقد حان الوقت لتزورني فلدي قصات جديدة و شبابية لتجرب إحداها .
إبتسمت وواصلت مسيري بعد أن أجبته بصوت خافت عش لقلاق فوق رأسي أهون عندي من أن تجرب في صرعاتك المجنونة.
وصلت إلى المنزل ناولت والدتي ما خرجت لاجله ، أعدت هي الإفطار حان وقت الذهاب إلى  المدرسة.
أنا يونس تلميذ في القسم السادس إبتدائي ، أحب حينا كثيرا ، قضيت فيه إثنتا عشر سنة هي رصيدي الذي إستهلكته  من عمر قد يطول أول لا يطول ، إنها الساعة الموعودة سأخرج لأذهب للمدرسة و سأحكي لكم قصة الغريب ، فهو الوحيد الذي لا أعرف عنه شيئا في معقلنا العتيد ،أجل في حينا غريب.
إنه قادم بمشيته المسرعة عيناه دوما إلى السماء، سأحييه ككل مرة رغم أنه لم يرد يوما تحيتي ، صباح الخير يا سيدي، لم يلتفت نحوي كعادته إستمر في مسيره يلبس سروال الجينز الأزرق و قميصه الأبيض المعتاد و يضع قبعته فوق رأسه إستمريت في مراقبته حتى إختفى ، تبا له من مغرور ستكون آخر مرة أسلم عليه فيها.
أحضر لي قهوتي يا ولد ، أريدها عاصية قاسية حتى أضبط أصابعي فهذه الذروة قد دنت و الزبائن سيبدأون في السؤال عن سعادتي ؛ حاضر يا معلم سعيد القهوة في الحين ؛ هكذا أجابه نادل المقهى ، إنتصف النهار إنضم إليه عبد العالي لتجاذب أطراف الحديث فهو يحب ثرثرته خصوصا في هذا الوقت من اليوم تمنحه كما يقول نشاطا و حيوية لإكمال اليوم ، جلس الجاران يتسامران و يرتشفان كؤوس القهوه ، و كأنهما ينتظران حصول شيئ ما أو قدوم أحدهم ، نطق سعيد قائلا : ها هو ذا في نفس توقيته عجبا لأمر هذا الرجل منذ أن سكن حينا لا نعرف له أصلا أو تاريخ. 
نظر نحو عبد العالي و قال : أراهن بصالوني العزيز و كل ما أملك أنه جاسوس أو عميل فنظراته لا تحيد و عيناه لا تتحركان في رأسه و لا يعير إهتماما لأحد ، إنتظرني لأعود.
إنطلق يركض نحو صإلونه حمل مكنسته و شرع يكنس عتبة المحل و ككل يوم و بدون ملل حين إقترب منه الغريب ، حياه سعيد قائلا : مرحبا يا سيد ربما حان الوقت لتنزع قبعتك و تزورني لأهذب لك شعرك و بما أنك زبون جديد لن آخذ منك نقودا في المرة الأولى ، إستمر الغريب في طريقه دون أن يلتفت يمينا أو شمالا ، إحمرت وجنتا سعيد و قال بصوت عال : تبا لك أنت الخسران !
كان عبد العالي يراقب المشهد من بعيد ككل يوم ، فلما إقترب منه صاحبنا أشار إليه بيديه مبتسما ثم قال : ربما سيجيبني هذه المرة مرحبا بجارنا العزيز كل سكان الحي يشربون قهوتي أرجو أن تقبل دعوتي.
 إستمر الغريب في طريقه يعد الخطى نحو غرفته الموجودة فوق أسطح العمارة الموجودة في آخر الشارع ، بينما عاد سعيد الحلاق إلى مكانه حول الطاولة المعتادة ، وجد عبد العالي في إنتظاره ثم خاطبه : هذا الغريب يحمل معه سرا خطيرا قد يكون هاربا من حكم أم تاجر مخدرات أو معارض للنظام ، يجب أن نعرف ما قصته عاجلا أم آجلا ، تبا له لقد أشعل في الفضول و الحيرة.
إستمر الصديقان يدردشان بعد أن تناسيا أمر الغريب ، و قبل أن يصعد درج العمارة و يلج بابه ، لمحه حسين البقال الذي لم يستسيغه خصوصا أن يأتي كل يوم بكيسه البلاستيكي ، فيزن أنه يشتري ما يلزمه من عند أحد منافسيه و هو أكثر شيئ يغيضه فلم يشعر بنفسه هذه المرة إلا و هو يصيح فيه : عيب عليك يا جاري حتى السلام لا نسمعه منك قلنا لا مشكلة ربما أنت متعجرف أو متوحد ، أما أن تقاطعني و تمنع عني رزقي لتقطع المسافات لتشتري ما تريد ، بينما أنا أعمل جاهدا على تجهيز المحل بكل ما يحتاجه سكان الحي فهذا عيب عليك يا جاري ، إنه لم يرفع رأسه في فليذهب إلى الجحيم هو و ما سيشتريه مني.
إستمر الغريب يشق نطريقه عبر سلالم العمارة حتى وصل إلى باب غرفته فتحها و دخل.
حل الصباح حمل يونس محفظته و في طريقه توقف فجأة مشدوها أين هو الغريب لم يعتد أن يخلف موعده و لو ثانية ربما أنا الذي جئت باكرا فلأنتظر قليلا مرت الدقائق تباعا إنه لم يأت...
أما في الجانب الآخر و كما جرت العادة تسير الحياة كما تعود عليها الناس ، جلس الصديقان  و كأن شيئا ينقصهما حاولا  تجاهل الأمر ؛ نظر سعيد إلى عبد العالي ثم قال : ترى لما تأخر اليوم لم يفعلها منذ أول مرة رأيناه فيها ، ربما تأخر قليلا فلننتظر...
مر الوقت بطيئا و هم في إنتظار هذا الغريب الذي كانت تجمعه بهم علاقة غريبة فرغم كل شيئ كانوا يعتبرونه جزء ا من حياتهم اليومية فاليوم فقط حين غاب أحسوا بمكانته ، هزعوا كهذا الأمر...
حل الظلام و حانت ساعة إقفال بقالة الحسين تردد كثيرا لأنه ما زال ينتظر قدوم غريمه نكيسه البلاستيكي كالمعتاد ، بدأ الحسين يتسائل هل مر و لم يره لا يمكن فالحسين لا يغفل عينيه عن كل ما يدور أمامه عقارب الساعة تستمر في الدوران إنه منتصف الليل أقفل الهسين محله و نام.
 حل الصباح من جديد سرت في طريقي لم ألتقي الغريب كما حدث بالأمس لكن هذه المرة لم 'كمل طريقي عدت أدراجي أعد الخطى لا أدري وجهتها مررت على مقهى حادة لمحني الحلاق وعبد العالي اللذان كانا يجلسان سألاني إن كنت رأيت غريب حينا أجبتهم أني ماضي للبحث عنه ، إلتحقا بي قائلين : خدنا معك يا فتى...
مشينا كنت أعرف العمارة التي يقطن بها فلما وصلنا سلمنا على حسين ، لم يمهلنا لنسأله ؛ هل تبحثون عن الغريب ؛ لقد مضي يوم بطوله لم أره فيه ، أجل جئنا لنسأل عنه نعرف أنه يسكن هذه العمارة لكن نعرف بالضبط أين ، إتبعوني إنه يقيم في غرفة على الاسطح.
مشينا صعدنا  السلالم حتى وصلنا إلى باب غرفته فوجدناها مقفلة ،إستأذنا قبل الدخول لكن لا أحد يرد ظللنا متسمرين ، فجأة تشجعت و تقدمت فتحت الباب و دخلت ...
غرفة سوداء قاتمة لا شيئ يدل على وجد حياة هنا سرت خطوات و تبعني الآخرون صورة على الحائط لقمر مكتمل  و في زاوية الغرفة كان هناك سريره الذي لا يتسع سوى لشخص واحد مرتب بعناية لفتت نظري ورقة على السرير لم أدري حتى وجدت نفسي أخذتها و فتحتها كان فيها ما يلي :
بعد السلام و التحية
صديقي العزيز أعرف أنكم ستبحثون عني يوما و لكي لا اطيل  فأنا لا أعرف لي إسما ولا لقبا سوى ما أطلقه علي مسيروا الدار أسموني غريب لأني فعلا غريب عنكم و عن الآخرين فلقد أمضيت هياتي كلها لا أسمع و لا أتكلم كنت فقط أرى أشياء ا و صورا لا أعرف ما هي سوى أنها صور مجرد صور...
أمضيت طفولتي بين أحضان رجل و زوجته إعتنوا بي شفقة منهم على هالي لم ألج يوما مدرسة كباقي الصغار أمضيت سنينا أرى و أرى ساكتا رغما عني فهذا قدري الذي رضيت به مرت السنون بطيئة كان السيد و زوجته بمثابة ابي و امي كانا الوحيدان اللذان اتواصل معهما هكذا باحاسيسي حتى توفي كفيلي فتبعته زوجته حزنا عليه إعتصرني الحزن لقد اصبهت وحيدا ...
حملني بعض جيراننا و أخذوني إلى دار لرعاية الصم و البكم و هناك إبتدأت حياتي من جديد حيث وجدتي أناسا مثلي أدركت بعدها أنها لم أكن وحيدا لكن حظهم كان أحسن مني بقليل كانوا يتكلمون بأعينهم  و أياديهم درسوا و تعلموا و قاوموا عجزهم الابدي ، كان الطريق أمامي طويلا و شاقا حتي أعيد تسمية كل الصول التي خزنتها في ذاكرتي حياتي كلها كانت بدون معنى بذلت مجهودا كبيرا إستمر لسنين حتى بلغت السن الذي لم يعد بإمكاني معه البقاء في الدار ، أشفق على مسيروها فتدبروا لي هذه الغرفة ومنحوني عملا بسيطا معهم ، أعرف أنكم كنتم تحاولون محادثتي التعرف علي كان بودي لكني لا أسمع و لا أتكلم ...
في كل صباح كنت ابادلك التحية دون أن تسمعها كنت أراها في عيناك يا صديقي و اتجاهل الرؤية فيك مباشرة ، كنت اود أن احلق شعري عند حلاق حينا و ادردش معه تمنيت كل صباح أن اشرب قهوتي بينكم كان بودي حقا كل هذا لكني لم أقدر ...
أما بقالنا العزيز أتمنى أن تخبره أني لم أشتري منه يوما شيئا لأني أحضر معي مأكلي من الدار فهو جزء من راتبي القليل لم تكن لي نقود لأشتري غيره .
أحبكم جميعا امضيت معكم أياما احسست فيها بالدفئ من بعيد لن  أنساكم ، هذه الرسالة هي أول شيئ أكتبه بعد سنين من التعلم أهديها لكم فيها خلاصة أول كلام أقوله ، لقد حملت قبعتي و رحلت مع احد مسيري الدار لاكمل مسيري و اعلم الصغار الكلام و القنهم ما تعلمت حتى لا يقاسوا ما قاسيت فهذا طريقي رسمته و ساكمله إلى النهاية.
صديقكم الغريب.
لم أحس بنفسي إلا و دمعة تسيل علي خدي حزنا علي فراق صديق عزيز طويت الورقة ووضعتها في جيبي تذكارا منه بعد ان قرأت ما فيها بصوت عالي ، إنصرف الجميع ساكتين و الحزن يسكن اعينهم .
وداعا يا صديقنا العزيز نحن ايضا لن ننساك ، إستمرت الحياة يوم جديد بدون غريب حينا كان غائبا لكنه كان حيا في قلوبنا.

هناك 6 تعليقات:

  1. قصة الغريب هي قصتنا جميعا مع من حولنا عندما نسيئ الظن بهم فقط لاننا لم نفهم سبب تصرفاتهم.. فنحن لا نرى الا ظاهر الامر و لا ندري ما تكنه النفوس .
    احيانا يكشف لناالزمان اسباب تصرفاتهم لكن بعد فوات الاوان و احيانا نظل على عمانا و على جهلنا بنِية الآخر

    قصة جميلة
    تحياتي ^_^

    ردحذف
    الردود
    1. صراحة و ردك اعمق و أجمل شكرا على مرورك كلنا ذلك الغريب تحياتي

      حذف
  2. أنا ذلك الغريب ، هو ذلك الشيء الذي يلحق بظلي في طلام اليل الدامس

    مررت من هنا

    ردحذف
  3. و سيظل بجانبك إلى الأبد شكرا على مرورك

    ردحذف
  4. رائعة هي القصة وفيها عبرة عميقة :كفانا حكما على الاشياء من ظواهرها فقط, فكلنا في وقت ما كنا ذلك الغريب وربما لازلنا كذلك بالنسبةلهم!! تحياتي يونس
    مررت من هنا مرات عدة واكيد ساعاود المرور

    ردحذف
    الردود
    1. يسعدني مرورك دوما خديجة على الرحب و السعة طوبى لكل الغرباء في كل مكان

      حذف

Comments System

Disqus Shortname