إستيقظ جحا كعادته مبكرا ليعد إفطاره المتواضع ، فالحال ضنك و ليس هناك عمل يقوم به سوى العتالة على ظهر حماره ، فأخذ يفكر في عمل جديد و كيف أنه كان تاجرا مشهورا في أسوق بغداد ينافس كبار التجار هناك ، و لم يقطع تفكيره سوى صوت نهيق حماره و هو يقول :
ـ صباح الخير يا أبا الجحاجيح كيف أصبحت و كيف أمسيت ؟
أجابه جحا :
ـ إنهض عليك اللعنة يا كبير الأذنين فمنذ أن جئنا إلى زمن الفرنجة هذا و أنت تستيقظ بعدي كأنك فيلسوف زمانك .
ضحك حمار جحا و قال :
ـ دعني قليلا يا جحا فالنوم و الكسل أحلى من العسل .
أجابه جحا :
ـ إنهض عليك لعنة أجدادي ، جحا الكبير أبو مسمار .
نهض حمار جحا من مكانه ليتناول نصيبه من الحنطة و بينما هو يزدرد فيها خاطبه جحا قائلا :
ـ قل لي يا كبير الأذنين ، أريد أن أستشيرك في أمر ما .
رد عليه حماره قائلا :
ـ يا سلام عليك يا أبا الجحاجيح حين تحترمني و تستشيرني في أمورك و أنت أبو المفهومية و القفشات النوعية .
أجابه جحا :
ـ كف عن التحذلق و إسمع جيدا ، البارحة عرض علي صاحب محل البقالة في الحي أن أشتغل معه في التجارة ، و أخبرني أنه سيمنحني المحل ببضاعته مقابل جزء من الأرباح ، لكنني لم أرد عليه و طلبت مهلة للتفكير ، ما قولك يا كبير الأذنين؟
فرح حمار جحا و قال :
ـ الله عليك يا شهبندر التجار ، لقد نلت فرصتك و ستصبح من التجار و علية القوم ، لكن السؤال الذي يحيرني ، ما محلي أنا من الصفقة أنا كحمار جحا أشهر حمار على شبكة العفاريت المسماة إنترنت في أمر التجارة هذا ؟
أجابه جحا :
ـ سأعينك المسؤول عن التوصيلات ، و سأفرد لك مدا إضافيا من الحنطة نظير عملك معي ، يالاه إفرح و إمرح يا كبير الأذنين .
أجابه حماره :
ـ تقصد أنني سأصبح ڭلوفو ، مد واحد من الحنطة كم أنت شحيح يا جحا .
فلما إنتهى جحا من إفطاره، طلب من حماره أن يتوجه معه صوب محل البقالة ، فأخذا يمشيان و كلهما ثقة في النفس بالنجاح في العمل الجديد ، فلما وصلا إلى المحل وجدا صاحبه في إنتظارهما ، سلم عليهما و قال :
ـ مرحبا بك يا سيد جحا ، لقد بلغني مما بلغني أنك تاجر ماهر بالفطرة ، سأمنحك شهرا كتجربة ، ثم إذ نجحت بعدها إعتبر المحل محلك و سنوسع أفق التعاون ، فهل أنت قابل هذا الإقتراح.
رد عليه جحا التحية قائلا :
ـ مرحبا بإقتراحك هذا ، لن تر مني سوى ما يسر خاطرك إن شاء الله ، لكن لدي طلب إضافي.
أجابه صاحب المحل !
ـ تفضل يا سيد جحا .
أجابه جحا :
ـ ورد حماري الذي سيعمل معي من الحنطة سيتم إحتسابه على نفقات المحل إذا أمكن .
ضحك صاحب المحل و قال :
ـ لا بأس يا سيد جحا ، مد من الحنطة و لاشعير لن يغير في الأمر شيئا ، تعالى معي لأشرح لك ما المطلوب منك ، تفضل أولا هذه لا ئحة ممن يدينون للمحل بالمال ، و هذه لائحة أخرى بمن لا يجب عليك التعامل معهم أو إقراضهم لأنهم يتأخرون في الدفع ، و هذه لائحة تالثة فيها جرد لبضاعة المحل بتاريخ اليوم ، هل لديك سؤال آخر أو طلبات أخرى.
أجابه جحا :
ـ لا أعتقد هذا يكفي يا سيد ،لكن لم تقل كم نصيبي من الربح الصافي .
رد عليه صاحب المحل :
ـ في هذا الشهر سأمنحك ربع الأرباح و إذا إتفقنا بعدها قد أمنحك النصف فما قولك؟
رد عليه جحا :
ـ فليكن إذن و كما سبق و قلت البارحة فمأكلي و مشربي على حساب المحل ؛
إتفق الإثنان فلما هم صاحب المحل بالرحيل ترك لجحا رقم هاتفه قائلا :
ـ في حين إستجد في الأمر مستجد لا تتردد في الإتصال بي .
أجابه جحا :
ـ ليس لدي هاتف عفريتي ، لكن سأكلف حماري بذلك فهو جني في أمور العفاريت هاته .
أخذ جحا المفاتيح و دخل إلى المحل و جلس فوق الكرسي ينتظر الزبائن ، فقال له حماره :
ـ يا أبا الجحاجيح شغل لنا المذياع لنسمع بعض الموسيقى الجميلة بدل سكون الأشباح هذا الذي يثير الرعب في قلبي الصغير .
شغل جحا المذياع و بدأ الزبائن يتقاطرون عليه تباعا ، و أغلبهم يأخدون السلع بالدين و كان كل مرة يدون فيها ما باعه ، يعاني من السهو ، مرت بضع ساعات لم يحصل فيها جحا على قرش واحد ، كل ما جناه مجرد أرقام على ورق ، و بينما هو كذلك حتى جاءه أحد الموردين، و بعد أن سلم عليه طالبه بدفع ثمن السلع التي وردها للمحل ، فتح جها دولاب المال فوجده فارغا فطلب منه أن يعود غدا ، إستمر الحال هكذا ، جحا منشغل بخدمة الزبائن من جميع الفئات العمرية و عليه مسايرتهم جميعا و الحديث معهم ، فهم زبائنه و لا مصلحة له في خسارتهم ، و بينما هو كذلك خاطبه حماره قائلا :
ـ أنظر إلى تلك الصورة و ما كتب عليها .
نظر جحا :
ـ فوجد شخصا يحمل صرة على كتفه كتب عليها ، هذا الرجل كان يبيع بالسلف فصار هكذا .
إستشاط جحا غضبا و صاح في وجه حماره :
ـ يا حقود تبا لك عوض أن تشجعني و تبث في روح الحماس ، تحبطني تبا لك .
أجابه حماره :
ـ أنا فقط أنبهك .
لم يكسر جدالهما هذا سوى صوت ناعم يقول :
ـ هاي يا صاحب المحل
رفع جحا رأسه فإذا بها سيدة جميلة تمشي الخيلاء و رائحة عطرها غطت المكان ، فلما إقتربت من جحا ، بدأت تطلب البضاعة من جميع الأصناف ، و جحا يخدمها و هو تحت سحر أنوتثها ، فلمى إنتهى بدأ يعد في ثمن المشتريات ، فقاطعته السيدة قائلة :
ـ ضع المجموع على حسابي ، سأدفع لك فيما بعد .
بدأ جحا يبحث عن إسمها في لائحة من تركهم صاحب المحل فلم يجدها فقال لها :
ـ عذرا يا سيدتي ، يجب أن تدفعي لي ثمن السلع فلست ضمن من يتعامل معهم صاحب المحل .
لم تستسغ السيدة جواب جحا ، فغضبت و رحلت تاركة البضاعة لجحا الذي بدأ يعيدها إلى مكانها و هو يتمتم غاضبا حتى سمعه حماره يقول :
ـ هنا في المغرب يقولون حانوت البيع و الشراء مثل المسجد .
جلس جحا في مكانه يحسب أرباح اليوم فلم يجد سوى الأصفار و الديون فأصيب بالدوار و أمسك رأسه قال لحماره :
ـ تناول عشائك و إتصل بصاحب المحل و قل له :
ـ إذا كانت هاته هي التجارة فلتولع بغاز ، و هيا بنا نعود إلى المقهى لنأخذ الصور مع العبطاء الذين يدفعون عدا و نقدا .
ضحك حمار جحا و قال :
ـ الله عليك يا حبيب والديك ، الحمد لله نجوت من حمل الأثقال .
أرشيف المدونة الإلكترونية
- يناير (21)
- فبراير (12)
- مارس (6)
- أبريل (10)
- مايو (4)
- يوليو (1)
- أغسطس (1)
- سبتمبر (4)
- أكتوبر (1)
- نوفمبر (2)
- ديسمبر (1)
- فبراير (2)
- أكتوبر (1)
- نوفمبر (1)
- مارس (3)
- ديسمبر (2)
- نوفمبر (5)
- ديسمبر (8)
- يناير (2)
- فبراير (1)
- مارس (1)
- مايو (2)
- يونيو (1)
- يوليو (2)
- أغسطس (1)
- ديسمبر (6)
- أغسطس (1)
- سبتمبر (7)
- أكتوبر (1)
9/28/2022
جحا تاجر بقالة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق