9/28/2022

جحا تاجر بقالة

 إستيقظ جحا كعادته مبكرا ليعد إفطاره المتواضع ، فالحال ضنك و ليس هناك عمل يقوم به سوى العتالة على ظهر حماره ، فأخذ يفكر في عمل جديد و كيف أنه كان تاجرا مشهورا في أسوق بغداد ينافس كبار التجار هناك ، و لم يقطع تفكيره سوى صوت نهيق حماره و هو يقول :

ـ صباح الخير يا أبا الجحاجيح كيف أصبحت و كيف أمسيت ؟

أجابه جحا :

ـ إنهض عليك اللعنة يا كبير الأذنين فمنذ أن جئنا إلى زمن الفرنجة هذا و أنت تستيقظ بعدي كأنك فيلسوف زمانك .

ضحك حمار جحا و قال :

ـ دعني قليلا يا جحا فالنوم و الكسل أحلى من العسل .

أجابه جحا :

ـ إنهض عليك لعنة أجدادي ، جحا الكبير أبو مسمار .

نهض حمار جحا من مكانه ليتناول نصيبه من الحنطة و بينما هو يزدرد فيها خاطبه جحا قائلا :

ـ قل لي يا كبير الأذنين ، أريد أن أستشيرك في أمر ما .

رد عليه حماره قائلا : 

ـ يا سلام عليك يا أبا الجحاجيح حين تحترمني و تستشيرني في أمورك و أنت أبو المفهومية و القفشات النوعية .

أجابه جحا :

ـ كف عن التحذلق و إسمع جيدا ، البارحة عرض علي صاحب محل البقالة في الحي أن أشتغل معه في التجارة ، و أخبرني أنه سيمنحني المحل ببضاعته مقابل جزء من الأرباح ، لكنني لم أرد عليه و طلبت مهلة للتفكير ، ما قولك يا كبير الأذنين؟

فرح حمار جحا و قال :

ـ الله عليك يا شهبندر التجار ، لقد نلت فرصتك و ستصبح من التجار و علية القوم ، لكن السؤال الذي يحيرني ، ما محلي أنا من الصفقة أنا كحمار جحا أشهر حمار على شبكة العفاريت المسماة إنترنت في أمر التجارة هذا ؟

أجابه جحا :

ـ سأعينك المسؤول عن التوصيلات ، و سأفرد لك مدا إضافيا من الحنطة نظير عملك معي ، يالاه إفرح و إمرح يا كبير الأذنين .

أجابه حماره :

ـ تقصد أنني سأصبح ڭلوفو ، مد واحد  من الحنطة كم أنت شحيح يا جحا .

فلما إنتهى جحا من إفطاره، طلب من حماره أن يتوجه معه صوب محل البقالة ، فأخذا يمشيان و كلهما ثقة في النفس بالنجاح في العمل الجديد ، فلما وصلا إلى المحل وجدا  صاحبه في إنتظارهما ، سلم عليهما و قال :

ـ مرحبا بك يا سيد جحا ، لقد بلغني مما بلغني أنك تاجر ماهر بالفطرة ، سأمنحك شهرا كتجربة ، ثم إذ نجحت بعدها إعتبر المحل محلك و سنوسع أفق التعاون ، فهل أنت قابل هذا الإقتراح.

رد عليه جحا التحية قائلا : 

ـ مرحبا بإقتراحك هذا ، لن تر مني سوى ما يسر خاطرك إن شاء الله ، لكن لدي طلب إضافي.

أجابه صاحب المحل !

ـ تفضل يا سيد جحا .

أجابه جحا :

ـ ورد حماري الذي سيعمل معي من الحنطة سيتم إحتسابه على نفقات المحل إذا أمكن .

ضحك صاحب المحل و قال :

ـ لا بأس يا سيد جحا ، مد من الحنطة و لاشعير لن يغير في الأمر شيئا ، تعالى معي لأشرح لك ما المطلوب منك ، تفضل أولا هذه لا ئحة ممن يدينون للمحل بالمال ، و هذه لائحة  أخرى بمن لا يجب عليك التعامل معهم أو إقراضهم لأنهم يتأخرون في الدفع ، و هذه لائحة تالثة فيها جرد لبضاعة المحل بتاريخ اليوم ، هل لديك سؤال آخر أو طلبات أخرى.

أجابه جحا :

ـ لا أعتقد هذا يكفي يا سيد ،لكن لم تقل كم نصيبي من الربح الصافي .

رد عليه صاحب المحل :

ـ في هذا الشهر سأمنحك ربع الأرباح و إذا إتفقنا بعدها قد أمنحك النصف فما قولك؟

رد عليه جحا :

ـ فليكن إذن و كما سبق و قلت البارحة فمأكلي و مشربي على حساب المحل ؛

إتفق الإثنان فلما هم صاحب المحل بالرحيل ترك لجحا رقم هاتفه قائلا :

ـ في حين إستجد في الأمر مستجد لا تتردد في الإتصال بي .

أجابه جحا :

ـ ليس لدي هاتف عفريتي ، لكن سأكلف حماري بذلك فهو جني في أمور العفاريت هاته .

أخذ جحا المفاتيح و دخل إلى المحل و جلس فوق الكرسي ينتظر الزبائن ، فقال له حماره :

ـ يا أبا الجحاجيح شغل لنا المذياع لنسمع بعض الموسيقى الجميلة بدل سكون الأشباح هذا الذي يثير الرعب في قلبي الصغير .

شغل جحا المذياع و بدأ الزبائن يتقاطرون عليه تباعا ، و أغلبهم يأخدون السلع بالدين و كان كل مرة يدون فيها ما باعه ، يعاني من السهو ، مرت بضع ساعات لم يحصل فيها جحا على قرش واحد ، كل ما جناه مجرد أرقام على ورق ، و بينما هو كذلك حتى جاءه أحد الموردين، و بعد أن سلم عليه طالبه بدفع ثمن السلع التي وردها للمحل ، فتح جها دولاب المال فوجده فارغا فطلب منه أن يعود غدا ، إستمر الحال هكذا ، جحا منشغل بخدمة الزبائن من جميع الفئات العمرية و عليه مسايرتهم جميعا و الحديث معهم ، فهم زبائنه و لا مصلحة له في خسارتهم ، و بينما هو كذلك خاطبه حماره قائلا :

ـ أنظر إلى تلك الصورة و ما كتب عليها .

نظر جحا :

ـ فوجد شخصا يحمل صرة على كتفه كتب عليها ، هذا الرجل كان يبيع بالسلف فصار هكذا .

إستشاط جحا غضبا و صاح في وجه حماره :

ـ يا حقود تبا لك عوض أن تشجعني و تبث في روح الحماس ، تحبطني تبا لك .

أجابه حماره :

ـ أنا فقط أنبهك .

لم يكسر جدالهما هذا سوى صوت ناعم يقول :

ـ هاي يا صاحب المحل 

رفع جحا رأسه فإذا بها سيدة جميلة تمشي الخيلاء و رائحة عطرها غطت المكان ، فلما إقتربت من جحا ، بدأت تطلب البضاعة من جميع الأصناف ، و جحا يخدمها و هو تحت سحر أنوتثها ، فلمى إنتهى بدأ يعد في ثمن المشتريات ، فقاطعته السيدة قائلة :

ـ ضع المجموع على حسابي ، سأدفع لك فيما بعد .

بدأ جحا يبحث عن إسمها في لائحة من تركهم صاحب المحل فلم يجدها فقال لها :

ـ عذرا يا سيدتي ، يجب أن تدفعي لي ثمن السلع فلست ضمن من يتعامل معهم صاحب المحل .

لم تستسغ السيدة جواب جحا ، فغضبت و رحلت تاركة البضاعة لجحا الذي بدأ يعيدها إلى مكانها و هو يتمتم غاضبا حتى سمعه حماره يقول :

ـ هنا في المغرب يقولون حانوت البيع و الشراء مثل المسجد .

جلس جحا في مكانه يحسب أرباح اليوم فلم يجد سوى الأصفار و الديون فأصيب بالدوار و أمسك رأسه قال لحماره :

ـ تناول عشائك و إتصل بصاحب المحل و قل له :

ـ إذا كانت هاته هي التجارة فلتولع بغاز ، و هيا بنا نعود إلى المقهى لنأخذ الصور مع العبطاء الذين يدفعون عدا و نقدا .

ضحك حمار جحا و قال :

ـ الله عليك يا حبيب والديك ، الحمد لله نجوت من حمل الأثقال .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Comments System

Disqus Shortname