12/20/2019

جحا في السفارة



جلس جحا يضرب أخماسا في أسداس فلقد إنتهى زاده و لم يعد له ما يأكله هو و حماره، أصابه حزن شديد بعدما تذكر أيام العز في بغداد، توجه جحا صوب حماره الذي كان يغط في نوم عميق كعادته، صعد جحا على ظهر حماره و خرجا بحثا عن لقمة العيش التي أصبحت صعبة في زمن الفرنجة، سار الإثنان بين الدروب و الأزقة على غير هدى حتى وصلوا إلى شارع كبير و نظيف مليئ بالأشجار ، ترك جحا حماره و تقدم  صوب مبنى بالقرب منه فوجد شخصا جالسا هناك فسأله عن ما إذا كان أحدهم يبحث عن عامل، وقف الرجل من مكانه مستغربا من شكل جحا و عمامته فأجابه بأن يبتعد فليس هناك عمل له و أن هذا المبنى به سفارة دولة شقيقة ، فإستشاط جحا غضبا من نهر الشخص له فقال له:
ـ تالله لو كنت في بغداد  لكنت إشتكيتك لقاضي القضاة لتعرف مع من تتحدث.
بينما جحا في أخذ و رد مع الحارس حتى مر بقربهم شخص بهندام أنيق توجه صوب المصعد ، فدخل إلى مبنى السفارة التي في العمارة ، فوجد السفيرة في إنتظاره و التي ما إن رأته حتى بادرته بالسؤال :
ـ لماذا تأخر القنصل أين تركته ؟

فأجابها :
ـ لقد إنتظرته طويلا و لم أجده حضرة السفيرة .
فردت عليه قائلة :
ـ تصرف بسرعة جده الآن حالا 
أجابها :
ـ يا سفيرة لقد وجدت شخصا بالأسفل يتشاجر مع الحارس و زيه يشبه الزي التقليدي لبلد القنصل أترى قد يكون هو؟
السفيرة مجيبة :
ـ أحضرة إلي في الحين
توجه الرجل إلى باب العمارة فلم يجد جحا فسأل حارس العمارة الذي أشار عليه بأنه غادر لتوه في هذا الإتجاه ، فإنطلق مسرعا خلفه فلما وصل وجده رفقة حماره فحياه قائلا :
ـ من أنت يا رجل ؟
أجابه جحا :
ـ أنا جحا سفير المغرب الأقصى في بغداد ، و من لا يعرفني يجهلني تبا لزمن الفرنجة هذا الذي أذلني.
لم يكد جحا يكمل كلامه حتى قاطعه الرجل :
ـ مرحبا بك حضرة القنصل لقد بحثنا عنك كثيرا هلا تفضلت معي .
أجابه جحا :
ـ إلى أين تريدني أن أذهب معك
أجابه الرجل:
ـ إلى مقر السفارة  فالسفيرة في إنتظارك 
أجابه جحا:
ـ أيوجد هناك أكل فأنا أتضور جوعا.
الرجل مجيبا :
ـ هناك ما لذ و طاب في إنتظارك حضرة القنصل.
أجابه جحا :
ـ و ماذا عن حماري ماذا أفعل به
الرجل مجيبا :
ـ دعه هنا فلا خوف عليه ، فهو يبدو حمارا وديعا 
حمار جحا مجيبا :
ـ الله عليك يا أبو الجحاجيح ، أكل و شرب و سفيرة ، لا تنساني يا جحا فأنا أيضا أتضور جوعا .
جحا مجيبا حماره :
ـ إخرس يا كبير الأذنين .
توجه جحا رفقة الشخص الذي جاء باحثا عنه فلما وصلا إلى باب العمارة ، أمسك جحا بخناق الحارس مخاطبا إياه :
ـ الآن أريني ما عندك 
تدخل موظف السفارة لفض الإشتباك بينهما و إلتفت صوب حارس العمارة مخاطبا إياه :
ـ ويحك كيف تجرؤ على إزعاج قنصل دولة عجيبستان المحترم.
أجابه الحارس مستغربا :
ـ قنصل يا إلهي ظننته باحثا عن عمل حسب ما قال .
جحا مخاطبا إياه :
ـ ويحك يا هذا ويحك.
توجه جحا صوب المصعد رفقة مرافقه فلما صعدا توجها نحو مقر السفارة فلما دخلا وجدا السفيرة في إنتظارهما ، حيتهما قائلة :
ـ مرحبا حضرة القنصل ، لقد أطلت الغيبة و نحن في إنتظارك منذ الصباح.
إلتفت جحا خلفه باحثا عن القنصل، لكنه ما لبث أن أيقن أن الكلام موجه إليه فهمهم قائلا:
ـ قنصل قنصل فكل شيء يهون في سبيل الأكل .
رد جحا التحية :
ـ مرحبا يا سفيرة أعذري تأخري فلقد نهرت حماري لكنه بطيء و كسول .
السفيرة :
ـ عن أي حمار تتحدث.
جحا مجيبا :
ـ لا تبالي لا تبالي
طلبت منه السفيرة التفضل بالجلوس ، فجلس الجميع يتابعون عرضا يقدمه أحد موظفي السفارة حول العلاقات بين البلد الشقيق عجيبستان الذي يمثله القنصل المحترم جحا ، فلما شارف على الإنتهاء خاطب الجلوس قائلا :
ـ الكلمة الآن للسيد القنصل فليتفضل مشكورا.
نهض جحا من مكانه و هو مذهول لا يفهم ماذا يحدث ، تقدم نحو الموظف الذي ناوله الميكروفون ، أمسك به جحا فسأل الموظف:
ـ ما هذا العفريت الذي كنت تتكلم فيه و لم أعطيته لي.
أجابه الموظف :
ـ إنه مكبر صوت لتلقي كلمتك
أجابه جحا :
ـ طيب عفريت عفريت و مالو فهذا زمن العفاريت.
أخذ جحا الميكروفون و بدأ يتحدث قائلا:
ـ أبنائي الفرنجة الملاعين لست أدري صراحة ماذا أفعل هنا بينكم غير أنني سعيد بعدما لمحت مائدة الطعام هناك مليئة بما لذ و طاب و هذا إن دل فإنما يدل على عمق العلاقات بين بلدينا الشقيقين و شكرا.
فلما إنتهى جحا من حديثه أخذ الحضور في التصفيق .
نهضت السفيرة متوجهة صوب جحا فطلبت منه الميكروفون فأعطاها إياه قائلا :
ـ تفضلي العفريت جناب السفيرة 
تناولت السفيرة الميكروفون :
ـ شكرا حضرة القنصل المحترم على تشريفك لنا و بعد هذا العرض فلتتفضل لتوقيع بروتوكولات الشراكة .
قاطعها جحا قائلا :
ـ لن اوقع شيئا قبل تناول الطعام.
توجه الجميع إلى مائدة الطعام فإنغمس جحا ينهل من الحلوى و المقبلات و لسان حاله يقول :
ـ أين أنت يا حماري لترى هذا النعيم الذي أنا فيه و بينما الجميع متحلقون حول الطعام حتى سمعوا صوتا قادما من إتجاه الباب ، كان هناك شخص رفقة مرافقين تقدم نحوهم أحد موظفي السفارة سائلا إياهم من يكونون ، فأجابه أحدهم أنه قنصل دولة عجيبستان ، توجه الموظف صوب السفيرة فأخبرها بالأمر.
توجهت السفيرة صوب القادم الجديد فتحدثت معه فأيقنت من أنه فعلا القنصل الحقيقي ، بينما جحا كان منهمكا بالأكل ، حتى تقدمت السفيرة نحوه سائلة إياه :
ـ من أنت ؟
فأجابها أنه جحا ، طلبت السفيرة من حراس الأمن أن يمسكوا به و يلقوه خارجا لكن جحا لم يمهلهم ذلك لملم ما إستطاع من حلوى ثم أمسك بنعليه بين يديه و أطلق ساقيه للريح هاربا ، فلما خرج من باب العمارة قام بصفع الحارس على قفاه، ثم فر هاربا صوب حماره الذي كان بإتنظاره ، إمتطى جحا حماره فخاطبه قائلا :
ـ إنطلق يا كبير الأذنين.
أجابه حماره :
ـ ماذا جلبت لي معك يا أبا الجحاجيح .
جحا مجيبا :
ـ جلبت لك الحظ التعيس يا كبير الأذنين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Comments System

Disqus Shortname