12/09/2019

جحا و حماره و البرلمان








صباح يوم جديد إستيقظ جحا الذي وجد نفسه في زمن غير زمانه ، إستيقظ كعادته و تناول إفطاره، إتجه بعدها صوب حماره الذي كان يغط في نوم عميق فلكزه بقدمه قائلا:
ـ إنهض عليك اللعنة أ مازلت نائما.
نهض حمار جحا مستاء ا و هو يقول:
ـ دعني أنام قليلا فليس لدينا ما نفعله سوى أن أرمقك و ترمقني يا كومة القش.
إستشاط جحا غاضبا و صرخ فيه :
ـ إنهض و لا تكثر الكلام لنذهب بحتا عن قوت يومنا ، فأنت لا تجيد سوى النوم و الأكل.
نهض حمار جحا تناول ما تيسر من تبن و إنطلق مع جحا إلى المدينة لعلهلا يظفران ببعض المال، فهما غريبان لا يعرفان أحدا هنا و ليس لدى جحا لا زاد و لا مال.
في طريقهما سارا يتحدثان فسأل الحمار جحا :
ـ ماذا نحن فاعلون ؟
أجابه جحا :
ـ فلنذهب إلى السوق لعلنا نحظى بعمل ما
أجابه الحمار :
ـ إلا أن أحمل الأثقال يا جحا فأنا تعبان ولا طاقة لي بذلك

أجابه جحا :
ـ على أساس أنك تجيد شيئا آخر غيره أيها الحمار اللعين.
فلما وصلا إلى السوق تسمرا في مكانهما وسط الهرج و المرج، فالباعة في كل مكان ينادون على بضائعهم و رواد السوق يتجولون بينهم بحثا عن ما يريدون، فجأة طلب جحا من حماره أن ينتظره و توجه صوب دكان مجاور فحيا صاحبه:
ـ السلام عليكم يا أخ العرب
أجابه صاحب الدكان الذي إستغرب من هندامه :
ـ و عليكم السلام ماذا تريد يا هذا
أجابه جحا :
ـ إني و حماري أبحث عن عمل في هذا السوق فكيف السبيل إلى ذلك.
أجابه صاحب الدكان :
ـ عليك بالذهاب إلى موقف العربات فهناك قد تجد طلبك.
شكر جحا صاحب الدكان و عاد أدراجه باحثا عن حماره فلما وصل إنطلقا في إتجاه موقف العربات ، حيت وجدا تجمهرا كبيرا لأصحاب عربات النقل يصدحون بأصواتهم بشعارات إحتجاجية ، تقدم جحا صوب أحدهم و سأله:
ـ ماذا يحدث هنا و لم كل هؤلاء مجتمعون ها هنا؟
أجابه الرجل :
ـ إنهم يحتجون على تردي أوضاعهم و محاولة السلطات ترحيلهم من السوق مع فرض ضرائب جديدة عليهم.
حرك جحا رأسه و قال :
ـ أتقصد الأعشار و المكوس ؟
الرجل مجيبا :
ـ ما لك تتحدث و كأنك قادم من زمن الموحدين.
جحا مجيبا :
ـ لا عليك لا عليك.
إمتطى جحا حماره و إنضم إلى المتجمهرين ينصت لما يقولون محاولا فهم ماذا يحدث بينما حماره صار ينهق قائلا :
ـ إنني جائع يا جحا أريد بعض الأكل.
فنهره جحا:
ـ إخرس يا كبير الأذنين ، همك على بطنك.
و في عز إنشغال المحتجين بترديد شعاراتهم ، باغثتهم قوات مكافحة الشغب بخراطيم المياه لتفريقهم، فبدأووا يتراجعون إلا جحا الذي ساقه حماره صوبهم و هو يغني :
ـ يا سلام مياه منعشة يا سلام
فصار جحا يصرخ :
ـ أهرب بنا يا مجنون
الحمار مجيبا :
ـ دعنا نمرح يا جحا
لمح الناس جحا الذي تقدم صوب قوات الشرطة فتشجعوا و عادوا إلى أماكن تجمهرهم و تقدموا جميعا صوب قوات الشرطة التي كانت تصدهم بخراطيم المياه و الهراوات و أمام أعداد المتجمهرين الكثيره إضطرت الشرطة إلى الإنسحاب، تجمع بعدها المحتجون حول جحا فحملوه على أكتافهم  وهم يصرخون :
ـ عاش الزعيم عاش الزعيم
لم يفهم جحا ما الذي يحدث فبدأ يهمهم :
ـ تالله لإن هؤلاء الفرنجة لغريب أمرهم.
لم يقطع همهمته سوى حماره الذي خاطبه قائلا :
ـ الله عليك يا جحا يا زعيم الأمة.
بدأ الناس يلتفون حول جحا الزعيم الشجاع الذي تصدى للشرطة، حاول جحا أن يشرح لهم أنه هنا فقط يبحث عن عمل ، فلم يأبهوا له و قرروا جميعهم أن ينصبوه زعيما عليهم.
مرت بضع دقائق حتى عادت قوات الشرطة و هاته المرة خاطبهم أحد أفرادها الدي كان بزي مدني بأن يعينوا ممثلا لهم ليتحدث بإسمهم و يقدم لائحة مطالبهم ، فأجابوه بأن جحا هو زعيمهم و ممتلهم .
تقدم جحا نحو الشخص الذي طلبه بالإسم محاولا إقناعه بأنه لا علاقة له بهم و هو مجرد عابر سبيل ، فلم يمهله هذا الأخير و خاطبه قائلا:
ـ تقدم معي لنتوجه صوب البرلمان ، فهناك يوجد كبار المسؤولين ينتظرونك ليطرحوا عليك بعض الأسئلة و ينصتوا إلى مطالب المحتجين.
أجابه جحا:
ـ و ما هو هذا البرلمان أ هو منزل شهبندو التجار يعني .
إنطلق جحا و حماره الذي أصر على إصطحابه معه صوب مبنى البرلمان الذي كان قريبا من السوق.
فلما وصلوا دخل جحا مع مرافقه إلى قبة البرلمان فوجد ثلة من الحضور جالسين في أماكنهم، دخل جحا لوحده بعدما ترك حماره في حديقة المبنى و بعدما تركه مرافقه ، دهش جحا مما رأى حتى سمع صوتا يناديه من بعيد :
ـ تفضل يا سيد لتلقي كلمتك على مسامع الجميع ، توجه جحا إلى حيث أشار عليه من ناداه ، و بينما هو يتحدث محاولا إقناعهم بأن لا علاقة له بالموضوع حتى دخلت مجموعة أخرى من الأشخاص يهتفون :
ـ فلتسقط الحكومة فلتسقط الحكومة
لم يفهم جحا ماذا يحصل حيث بدأ الجميع يتراشقون بالاحذية حتى لمح حماره يتقدم نحوه فإمتطاه و قال له :
ـ إهرب بنا من هنا ، فهؤلاء المجانين لست أدري ماذا يريدون، فلما وصل إلى الباب وجد المحتجين متجمهرين أمام مبنى البرلمان يرددون شعاراتهم ، فلما لمحوه بدأووا يصرخون :
عاش الزعيم عاش الزعيم
أصيب جحا بالحيرة فطلب من حماره الهروب فإنطلقا مسرعيين صوب البرلمان مرة أخرى فلما رأوه المحتجون تبعوه إليه ، فدخل الجميع إلى قبة البرلمان فإختلط الحابل بالنابل مما إسترعى تدخل الشرطة ، و في غمرة الفوضى إنسل جحا و حماره و هما يلعننان حظهما العاثر الذي قادهم إلى هذا المارستان ، تاركين الجميع وراءهم في حيص بيص.
و بينما هما في طريقهما سأل الحمار جحا :
ـ ماذا سنأكل اليوم
أجابه جحا :
سنأكل أجنابنا يا أيها الحمار اللعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Comments System

Disqus Shortname