12/30/2019

جحا في مخفر الشرطة





صباح يوم جديد إستيقظ جحا كعادته باكرا و كله أمل في الحصول على عمل في هذه البلاد السعيدة التي وجد نفسه بها دون سابق إنذار، إستيقظ و توجه صوب حماره الكسول ليوقظه، فلما وصل حيث ينام حماره وجده لا يزال يغط في نوم عميق فضربه قائلا :
ـ إستيقظ أيها الحمار الكسول.
نهض حمار جحا من مكانه مفزوعا و صرخ قائلا:
ـ لماذا تصر على إيقاظي باكرا يا جحا ، فليس هناك ما نفعله سوى أن نندب حظنا العاثر كل صباح ، دعني أنام قليلا فأنا خائر القوى،أرجوك ياجحا.
لم يمهله جحا فعاود ضربه على رأسه قائلا :
ـ إستيقظ عليك اللعنة.
نهض حمار جحا من مكانه ، فإلتفت صوب جحا قائلا :
ـ أين طعام إفطاري إذن؟
أجابه جحا:
ـ هيا بنا نبحث عن عمل و حينها ننظر في أمر الإفطار يا كبير الأذنين.
إنطلق جحا بعدما إمتطى حماره بدون وجهة، صارا يتجولان في الأزقة و الدروب حتى وصلا إلى الشارع الكبير المليء بالسيارات و بينما هما في طريقهما أوقفهما شرطي المرور ، توقف جحا و ترجل عن حماره فخاطب رجل الشرطة:
ـ ما الخطب يا شرطي
الشرطي مجيبا :
ـ إنك تعرقل السير أنت و حمارك

أجابه جحا:
ـ ما خطبك أنا لم أعرقل شيئا ، و هاته الدواب العفريتية لم تتوقف عن الصراخ منذ ولجت هذا الطريق و لا أدري حتى لماذا.
الشرطي مجيبا :
ـ هلا أعطيتني بطاقة تعريفك
جحا:
ـ عن أي بطاقة تتحدث ، فأنا لا أملك شيئا سوى حماري اللعين هذا.
لم يكد جحا ينهي كلامه حتى قام الشرطي بالإشارة لسيارة شرطة كانت تمر بجانبهم ، فتوقفت ثم نزل منها عنصران من الشرطة، توجه صوبهم شرطي المرور، فأخذوا يتحدثون لبرهة ، فلما إنتهوا توجها إلى جحا و طلبا منه أن يرافقهما من أجل التحقق من هويته ، رفض جحا بادئ الأمر فأخذ يصرخ:
ـ أنا جحا المغربي ألم تعرفونني،إسألوا عني شهبندر التجار و قاضي القضاة.
بينما جحا يحاول إقناع رجال الشرطة بتركه ، قام حماره بالهرب قائلا :
ـ نلتقي في المنزل يا أبا الجحاجيح ، إذا كان هناك لقاء ، فيبدو أنك في ورطة كبيرة.
لم يجد جحا حلا مع هؤلاء الرجال سوى أن إنصاع لهم فصعد إلى السيارة ، التي إنطلقت في الحين إلى مخفر الشرطة.
مر الوقت طويلا على جحا لم يكسر صمت المكان سوى ضجيج قادم من خارج السيارة التي توقفت ، فتح الباب فطلب  رجل الشرطة من جحا الهبوط ، فإقتاده مباشرة إلى الزنزانة دون تردد ، فصار جحا يصرخ :
ـ أنا بريء أنا بريء لماذا تقومون بسجني دون سبب.
أجابه الشرطي:
ـ إنتظر حتى يحين دورك في التحقيق و قل كل ما تريد.
أصيب جحا بخيبة الأمل و أخذ يلعن حظه و يلعن حماره الذي إصطبح بوجهه ، لم يتوقع جحا أن ينتهي يومه هكذا خلف القضبان مع المجرمين و قطاع الطرق.
جلس جحا يندب حظه العاثر ، حتى جلس بجانبه أحد المساجين و خاطبه قائلا :
ـ من أنت يا أخ العرب و لمذا لباسك غريب هكذا ، هل أنت فار من مسلسل تاريخي.
أجابه جحا :
ـ أنا جحا المغربي ماذا تريد يا هذا.
أجابه السجين :
ـ ما تهمتك ، مخدرات فشكلك يوحي بذلك يبدو أنك تدخن نوعا ممتازا حتى تصير هكذا.
أجابه جحا:
ـ إبتعد عني فأنا لا أعرف عما تتحدث.
عاد السجين إلى مكانه تاركا جحا غارقا في حزنه، لم تمر سوى بضع دقائق  حتى جلس بقربه سجين آخر فخاطبه قائلا :
ـ أ لا أجد معك سيجارة يا هذا؟
أجابه جحا :
ـ و ما هي السيجارة يا ترى
دهش السجين فأجاب جحا :
ـ ألا تعرف السيجارة ، إنها لفافة التبغ التي تعدل المزاج في هذا السجن اللعين ، يبدو أنه معك صنف فاخر تخفيه عني.
أجابه جحا :
ـ دعني و شأني فأنا لا أعرف عما تتحدث.
إنزوى السجين إلى الركن الذي كان يجلس فيه و إستل من جيبه سيجارة فأشعلها و صار ينفث دخانها بإتجاه جحا الذي ما لبث أن جلس بجانبه سجين آخر فبادره بالتحية:
ـ من أين أتيت و من أي قبيلة أنت
أجابه جحا:
ـ أنا جحا المغربي جئت  من بغداد بعد رحلة طويلة فلما عدت وجدت نفسي في زمن غير الزمن و مكان غير المكان.
سأل السجين جحا :
ـ ما جريمتك إغتصاب سرقة بالإكراه أم ماذا؟
جحا مجيبا :
ـ إخرس عليك اللعنة أنت و حماري في يوم واحد.
جلس جحا في مكانه حزينا لا يدري كيف ستنتهي محنته حتى سمع صوتا يناديه :
ـ المسجون جحا إنهض من مكانك الضابط يبحث عنك، 
نهض جحا من مكانه ينتظر فتح باب الزنزانة، توجه رفقة الشرطي إلى مكتب الضابط و ما إن دخل وجد الضابط يدخن سيجارته بنهم ، وقف جحا متسمرا في مكانه فبادره الضابط بالسؤال :
ـ أين تعريفك يا هذا؟
جحا مجيبا :
ـ ليس لدي تعريف سوي الذي سبق و قلته ، أنا جحا المغربي.
لم يكد جحا يكمل كلامه حتى ساد المخفر ضجيج عارم ، نهض الضابط من مكانه ليرى ماذا يحدث ، فإستغل جحا الفرصة فخرج من المكتب فوجد الضابط وسط حشد من الناس فواصل مسيره هربا من مخفر الشرطة الذي تمنى أن لا يعود له مرة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Comments System

Disqus Shortname