12/11/2019

حكاية حكيم





جلس كعادته في مقهى الحي يحتسي القهوة المرة مرارة حياته، هكذا كان يصف أيامه الطويلة التي تمر عليه و هو يبحث عن عمل دون فائدة ، طرق جميع الأبواب و لا من مجيب، أخذ حكيم هذا هو إسمه يطالع الجريدة التي مل من أخبارها،فهم لم يعد يهتم لشيء ، سوى أنها تساعده على كسر الوقت الذي يمضي عليه ببطئ.
تناول قلم الحبر الجاف الذي لا يفارق جيبه ، و بدأ في لعب الكلمات المسهمة بسبب إدمانه عليها لسنوات،نادى على النادل و طلب منه سيجارة ،أشعلها فصار ينتشي و ينفث ذخانها و لسان حاله يقول "تبا للحظ السيء" الذي لا يريد فراقه.
نهض حكيم من مكانه و أشار بيده للنادل بأن يضيف ثمن القهوة على الحساب.
هذا الأخير ذكره ككل مرة بأن حسابه ثقيل و صاحب المقهى يلح عليه في إسترجاع الديون من الزبائن و خصوصا هو، طأطأ حكيم رأسه و صار ماشيا في الزقاق المؤدي إلى منزله حيث يقطن رفقة والدته، بعدما توفى والده و تركهما بدون معيل،و بينما هو في طريقه إسترعى إنتباهه قطعة ورق تتلاعب بها الرياح ، فلما إقترب منها وجدها صفحة من جريدة ،دفعه فضوله إلى إلتقاطها ، فلما حملها بين يديه قرأ ما بها فوقعت عيناه على طلب عمل بعنوان سائق خاص ، قرأ تفاصيل الإعلان فقرر أن يجرب حظه، دس يده في جيبه و تناول هاتفه النقال ركب الرقم الموجود على قطعة الزريدة ، فإذا بالمجيب الآلي يرد عليه "رصيدكم غير كاف لإجراء هذه المكاملة".

لعن حكيم حظه مرة أخرى لكنه توجه صوب منزله فلما دخل قبل رأس والدته،و طلب منها أن تدعي له حتى يجد عملا يعيل نفسه و يعيلها أيضا، فكانت ترد عليه كعادتها "الله يفتح عليك أبواب الخير يا بني فأنت طيب و إبن حلال و الله لن يخيبك أبدا".
قبل حكيم يد والدته مجيبا إياها "الله يطول لي في عمرك أمي الحبيبة" ، طلب بعدها منها هاتفها ليجري مكالمة، فأمدته بهاتفها القديم و أخبرته بأن لديها بضع دراهم تكفيه للإتصال بمن يريد، قام حكيم بتركيب الرقم،بدأ الهاتف يرن حتى أجابه صوت أنثوي رخيم "من معي" ، أجابها بلطف أن إسمه حكيم و قد وجد رقم الهاتف في إعلان بالجريدة يطلبون فيه سائقا خاصا،فردت عليه أنها فعلا صاحبة الإعلان وأخبرته أن السائق الذي كان يعمل لحسابها رحل قبل أيام لأسباب شخصية، فرح حكيم و إعتقد أن الحظ بدأ يبتسم له، فأجابها بأنه مهتم بهذا العرض و أنه يرغب في العمل ، فكان ما كان فضربت له موعدا و أعطته موعدا ليلتحق بها لإجراء المقابلة لترى إذا ما كانت ستمنحه العمل أو لا ، أنهيا المكالمة بعبارات الوداع،توجه حكيم صوب والدته قبل رأسها و أعطاها الهاتف ، قامت هي أيضا بالدعاء له بالتوفيق ، قبل رأسها و خرج متوجها إلى العنوان الذي بحوزته و كله أمل و طموح في الحصول على هذه الوظيفة.
لم يكن لدى حكيم مال ليستقل سيارة أجرة أو حتىباص، فقرر الذهاب سيرا على أقدامه رغم طول المسافة،فلما وصل للعنوان المنشود وجد أمامه ڤيلا فسيحة أخذ يحدق فيها لبرهة قبل أن يتقدم صوب الباب حيث وجد الحارس هنا أخبره ءن لديه موعدا من أجل العمل كسائق هنا، فطلب منه الحارس الإنتظار ريثما يخبر أهل المنزل بذلك،مر الوقت ثقيلا على حكيم الذي كان ينتظر أمام الڤيلا حتى عاد إليه الحارس و طلب منه الدخول ، توجه صوب الباب الرئيسي فلما دخل ذهل لما رأى،أثاث فاخر لوحات و تماثيل تزين المكان ، لم يقطعه سوى الصوت الذي سمعه على الهاتف طالبا منه الجلوس ، جلس حكيم أمام السيدة التي سألته هل سبق له و عمل كسائق من قبل،فأجابها بصراحة أنه لم يسبق له ذلك لكن ترجاها أن تجربه و تمنحه فرصة فهو في حاجة إلى هذا العمل، سكتت لبرهة ثم أجابته بأن له ما يريد بشرط أن يحترم مواعيد العمل و أن يحسن هندامه على أن يبدأ عمله مباشرة في الغد بعد أن يتفقا على الراتب الشهري ، الذي قال حكيم بأنه موافق مسبقا ، فأخبرته أنها ستمنحه ما كان للسائق الذي سبقه، ودعته السيدة فإنطلق حكيم عائدا إلى حيه و هو فرح ، فأخيرا إبتسم له الحظ الذي عانده سنينا طويلة ، فلما وصل إلى حيه توجه صوب متجر للمالبس المستعملة ليشتري بذلة و قميص و حذاء لزوم العمل، فكان له ما يريد و كله على الحساب ، فصاحب المحل إبن الحي لم يمانع في منح حكيم ما يريد.
حل الصباح ودع حكيم والدته التي فرحت أيما فرح ، فكان أن وصل في الوقت المحدد فوجد السيدة تنتظره، أعطته مفاتيح السيارة بعد أن حييته، ركبا معا فلما جلس حكيم على مقعد السائق سرح لبرهة مندهشا من فخامة السيارة التي يقود لم يقطع سهوه إلا طلب السيدة التي أخبرته بأن يقلها إلى المصنع اكتي تديره، إنطلق حكيم يخترق الطرقات كأنه سائق محترف حتى قاطعته السيدة طالبة منه التوقف قرب شباك بنكي فكان لها ما أرادت،ترجلت من السيارة متوجهة صوب الشباك و حكيم يرمقها من بعيد ، فجأة توجه شخص ملثم صوب السيدة فأخذ منها حقيبتها عنوة ثم قفز فوق دراجته النارية ، لم يتردد حكيم في مطاردته بسرعة حتى حاصره و أجبره على التوقف ، تبادلا اللكمات و العراك فقام اللص بضرب حكيم بسكين يحملهمسببا له جرحا في كتفه،لكن حكيم لم يستسلم حتى إنتزع منه الحقيبة ، فهرب بعدها اللص على متن دراجته النارية،هاد حكيم إلى حيث ترك السيدة فوجدها مشدوهة لما حصل ، سلمها الحقيبة ، فشكرته على شجاعته و سألته عن الجرح الذي في كتفه فقال لها أنه بخير لكنها طلبت منه التوجه إلى أقرب مشفى فسارا في طريقهما يتبادلان أطراف الحديث، فسألت السيدة حكيم إذا كان يجيد شيئا آخر غير السياقة، فأخبرها أنه مجاز في الإقتصاد و قد تعب من البحث عن عمل يناسب تخصصه لذلك قرر الإشتغال كسائق ليعيل نفسه و والدته ، و بعدما وصلا إلى المشفى قام حكيم بتضميد جرحه فلما إنتهى صعد إلى السيارة ، فقالت له السيدة أنها ستأخذه معها إلى المصنع ولحسن حظه فإن المسؤول عن الحسابات خرج إلى التقاعد و هي ستمنحه الفرصة ليحل محله، فرح حكيم و شكر السيدة كثيرا ، و سار يقول في نفسه "رب ضارة نافعة"

هناك تعليق واحد:

Comments System

Disqus Shortname