طفى مؤخرا على السطح موضوع أثار حوله الكثير من الجدل على صعيد مواقع التواصل الإجتماعي و كذلك بين مختلف هيئات المجتمع المدني و خصوصا النقابات ألا و هو إلغاء مجانية التعليم .
توصيات المجلس الأعلى للتربية و التكوين التي نصت على ضرورة مساهمة الأسر في تمويل التعليم الثانوي و العالي لأبنائها بطريقة أو بأخرى ، و ذلك عبر دفع رسوم في المدارس الحكومية من أجل الدفع بوتيرة إصلاح المنظومة التعليمية في المغرب ، مع إستثناء الأسر الفقيرة و الهشة من هاته المساهمات.
أسئلة كثيرة تطرح في هذا الصدد بإعتبار أن الحق في التعليم يعتبر أولوية لدى المواطنين و واجبا من الدولة تجاههم فهو حق من حقوق الإنسان الكونية ، و من ثم تبني مجانية التعليم كتوجه عام لدى الدولة ، ومع الزمن أصبح حقا لا محيد عنه و مكتسبا مشروعا فلقد تم إقرار إلزامية التعليم المجاني لجميع الأطفال المغاربة من سن السادسة إلى سن الخامسة عشر عبر ظهير منذ فجر إستقلال المغرب.
عودة إلى موضوع التعليم العام المجاني ،
الذي كان و لازال قاطرة لخلق نوع من التوازن المجتمعي بين مختلف الفئات سواء ا منها الهشة المتوسطة أو الفئات الميسورة ، فهو في حد ذاته تجلي من تجليات مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع بإعتبار أن التعليم هو البوابة المعبدة إلى ولوج المجتمع النشيط المنتج و المدر للدخل ، عبر مجموعة من المهن و المستويات التي توفرها مختلف أسلاك التعليم العمومي ، بيد أنه في السنوات الأخيرة لاحظنا توجه مجموعة من الأسر المغربية نحو إختيار التعليم الخاص و هو بالمناسبة يبقى إختيارا منهم حسب قدرتهم المادية من جهة و من جهة أخرى يعتبرونه مسلكا ذي جودة عالية يساعد ابناءهم على تحصيل تعليم ربما يوفر لهم ما لم تعد مدارس الدولة قادرة على توفيره ، لكن هذا الإختيار ظل لمدة محصورا في التعليم الإبتدائي و الإعدادي بشكل كبير ، بحيث حافظ التعليم العالي العام على مكانته أمام منافسة التعليم الخاص .
عودة إلى توصيات المجلس الأعلى للتربية و التكوين التي تلزم الأسر المتوسطة و الميسورة على المساهمة في مصاريف التعليم الثانوي و الجامعي ، فكيف سيكون من الممكن حينها بلورة المعايير الإعفائية على أساس دخل الأسر و عدد أفرادها حتى ، هل ستدفع هاته المصاريف الزائدة التي لا شك ستثقل كاهل الأسر ، و التي غالبا ستكون متباينة حسب جودة المؤسسات التعليمية و أسلاكها ، فهل سيكون لهذا الأمر إنعكاس على مبدأ تكافؤ الفرص الذي تحدثنا عنه سالفا بحيث يجد الشخص نفسه مضطرا لإختيار ما لا يستحقه أو حتى ما لا يناسبه تحت وطأة نفقات التعليم و إختيار البديل المناسب له ماديا !
هذا بإعتبار أن الطبقات التي إختارت التعليم الخاص الثانوي سواء ا أو العالي ، إختارته طواعية دون الخوض في مجانية التعليم العام ، و هنا سيتحول الأمر إلى مجرد ضريبة على التعليم لا أقل و لا أكثر تجد الطبقات الهشة أو المتوسطة نفسها ملزمة بدفعها للإستفادة من تعليم حكومي مهدد بالإنهيار عاجلا أم آجلا بسبب الإكراهات المالية او امام زحف التعليم الخاص الذي ستضفى عليه صفة الشرعية بسبب هاته التوصيات التي ستكسر الحاجز النفسي لمن سيلجوه بإعتباره تعليما رديفا للتعليم العام المجاني سابقا!
هل نحن هنا أمام أولى إرهاصات خوصصة التعليم بالتدريج و من تم إعادة إستنساخ النخب التي ستملك الوسائل للإستفادة من تعليم عالي الجودة الذي أصبح ضرورة أساسية للمساهمة في النسيج الإقتصادي لكل المجتمعات ؟
التعليم كان و لازال أساس نهضة الشعوب و الأمم و ركيزة من الركائز التي تنبني عليها فهو الضامن لإستمرارها ، و منه كان حتما على الدولة بإعتبارها الكيان الموحد لكافة أطياف الشعب ، تسييره و توفيره للجميع في إطار التوجهات التي تخدم مصالح الجميع ، لا أن تجعله سلعة تباع و تشترى توضع بين أيدي من ليس لهم هم سوى الربح السريع أو ربما خدمة توجهات فئوية.
إن إلغاء مجانية التعليم الثانوي و العالي ليس سوى البداية فقط و يمكن إعتباره مسمارا يدق في نعش مبدأ التكافل المجتمعي المبني على منظومة الضرائب و غيرها من اجل تدوير أمور الدولة و الشعب و توفير متطلباتها الأساسية حتى و إن كانت الغاية كما يقال إصلاح التعليم .
فما هو البديل يا ترى ؟
كان حريا بالمجلس توخي طرقا أخرى أكثر عقلانية ربما عبر تشجيع التعليم الخاص الثانوي و العالي و تبنيه بحيث يصبح مكملا للتعليم العام المجاني وفرض ضرائب بطريقة أو بأخرى على مهنييه و على من ينتسبون إليه بشكل إرادي فهم الأكثر قدرة على تحمل جزء مهم من التكلفة المادية لإصلاح التعليم في بلادنا عملا بمنطق رابح رابح ، و في الأخير لا يمكننا تجاهل المؤسسات الخاصة و التفرقة بينها و بين العامة بل يجب الدفع بهما بشكل متواز ، فالغاية في الأخير نبيلة و حق مشروع للجميع ألا و هي تعليم ذي جودة عالية و متاح للجميع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق